ويتفرّع على هذا الوجه أنّه بناء على القول بكون ترك أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر يرتفع إشكال اجتماع الضدّين في العبادة الموسّعة المزاحمة بواجب مضيّق لو كانت مطلوبة ، فإن ترك الصلاة مثلا إنّما يطلب مقدّمة للإزالة إذا ترتّب عليه فعل الإزالة ، وأمّا الترك المنفرد عنها فليس محبوبا ، فلا يمتنع أن يصير مبغوضا ، ففعل الصلاة بالإضافة إلى الترك المتوصّل به مبغوض لا محالة ، وأمّا بالإضافة إلى الترك الغير المتوصّل به فيمكن أن يصير مطلوبا من دون أن يلزم اجتماع الضدّين.
نعم يبقى إشكال التكليف بما لا يطاق اللازم من اجتماع الأمر بالصلاة والأمر بالإزالة في زمان واحد ، فيدفعه بأنّ الأمر بالإزالة متوجّه على وجه الإطلاق ، وبالصلاة متوجّه مشروطا بترك الإزالة ، واجتماعهما بهذا النحو لا يقتضي الجمع بينهما.
الامر الرابع
هل الأمر المتعلّق بالمسبّب يجب إرجاعه إلى السبب عقلا ، أم هو حقيقة متعلّقة بنفس المسبّب ، والسبب إنّما يجب من باب المقدّمة؟ الوجوه المتصوّرة في المقام ثلاثة ، أحدها أن يقال : إنّ الأمر بالمسبّب مطلقا راجع إلى السبب عقلا ، والثاني أن يقال : إنّ الأمر بالمسبّب متعلّق بنفسه مطلقا ، والثالث : التفصيل بين ما إذا كانت الواسطة من قبيل الآلات مثل انكسار الخشبة المتحقّق باتصال الآلة قوّة الإنسان إليها ، وبين ما إذا لم تكن كذلك ، كما لو كان في البين فاعل آخر كما في إلقاء نفس إلى السبع فيتلفه أو إلقاء شخص في النار فيحرقه.
احتجّ للأوّل بأنّ متعلّق الإرادة والتكليف إنّما هو فعل المكلّف ؛ إذ لا معنى للأمر بما ليس من فعله ، والأفعال المرتّبة على أسباب خارجيّة ليست من فعله بل هي من فعل تلك الأسباب والوسائط ؛ لانفكاكها عن المكلّف في بعض الأحيان ، كما إذا رمى سهما فمات فأصاب زيدا بعد موت الرامي ، فلو كان الفاعل هو الرامي لما جاز وجود القتل في ظرف عدم الرامي ؛ لامتناع انفكاك المعلول عن علّته زمانا ، فيكشف