من المأمور لم يمكن تعلّق الأمر به ، أمّا الأوّل فلما عرفت ، وأمّا الثاني فلما مضى من أنّ الإرادة ما يوجب تحريك عضلات الفاعل إلى الفعل ولا يمكن تحريكها إلّا إلى فعل نفسه.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ الطلب إذا تعلّق صورة بما ليس من الفعل الصادر من الفاعل يجب توجيهه بما يرجع إلى ذلك ، ومن هنا يقوي التفصيل بين ما إذا تعلّق التكليف بما ليس بينه وبين المكلّف إلّا آلة توصل قوّة الفاعل إلى القابل ، وما إذا تعلّق بالأفعال التي ليس فعلا له ، بل هي أفعال للواسطة ، ففي الأوّل التكليف متعلّق بنفس ذلك الفعل وفي الثاني يجب إرجاعه إلى السبب فليتأمّل جيّدا.
الأمر الخامس
لو بنينا على وجوب المقدّمة فهل أجزاء المركّب المتّصف بالوجوب النفسي يتّصف به أو بالوجوب المقدّمي ، والحق هو الثاني ، فهنا دعويان ، إحداهما : عدم اتّصاف الأجزاء بالوجوب النفسي ، والثانية : اتّصافها بالوجوب المقدّمي.
لنا على الاولى أنّ الأوامر يتعلّق بالموجودة في الذهن باعتبار حكايتها عن الخارج ، فالشيء ما لم يوجد في الذهن لا يعقل تعلّق الأمر به وهذه المقدّمة في الوضوح ممّا يستغنى عن البرهان ، فحينئذ الأجزاء الموجودة في ذهن الآمر لا يخلو من أنّها إمّا أن لوحظ كلّ واحد منها بوجوداتها المستقلّة الغير المرتبط بعضها مع بعض نظير العام الافرادي ، وإمّا أن لوحظ المجموع منها على هيئتها الاجتماعيّة.
فعلى الأوّل لا بدّ وأن ينحلّ الإرادة بإرادات متعدّدة كما في العام الأفرادي ؛ إذ الإرادة أمر قائم بنفس المريد متعلّق بالأفعال ، فكما أنّه يتعدّد بتعدّد المريد كذلك يتعدّد بتعدّد المراد ؛ إذ لا يعقل وحدة العرض مع تعدّد المعروض ، وعلى الثاني أي على تقدير كون الملحوظ الأجزاء على نحو الاجتماع فالملحوظ بهذا الاعتبار أمر واحد ، ولا يعقل أن يشير اللاحظ في هذا اللحاظ إلى امور متعدّدة ، فوجود الأجزاء بهذا الاعتبار في ذهن الآمر نظير وجود المطلق في ذهن من لاحظ المقيّد في أنّه وإن كان موجودا ، إلّا أنّه لا على وجه يشاء الله ، بل هو موجود تبعا للمقيّد ومندكّا فيه.