القول الثاني : أنّه مأمور به مع جريان حكم المعصية عليه كما اختاره صاحب الفصول قدسسره.
القول الثالث : أنّه مأمور به بدون ذلك.
والحقّ أن يقال : إن بنينا على كون الخروج مقدّمة لترك الغصب الزائد فالأقوى هو القول الثاني ، سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي أم لم نقل به ، وإن لم نقل بمقدّميّة الخروج بل قلنا بصرف الملازمة بين ترك الغصب الزائد والخروج ـ كما هو الحقّ وقد مرّ برهانه في مبحث الضدّ ـ فالأقوى أنّه ليس مأمورا به ولا منهيّا عنه فعلا ولكن يجري عليه حكم المعصية.
لنا على الأوّل أنّ قبل الدخول ليس للخروج عنوان المقدّميّة ؛ ضرورة إمكان ترك الغصب بأنحائه ولا يتوقّف ترك شيء منه على الخروج ، فيتعلّق النهي بجميع مراتب الغصب من الدخول في الأرض المغصوبة والبقاء والخروج ؛ لكونه قادرا على جميعها ، ولكنّه بعد الدخول فيها يضطرّ إلى ارتكاب الغصب مقدار الخروج فيسقط النهي عنه بهذا المقدار ؛ لكونه غير قادر فعلا على تركه والتكليف الفعلي قبيح بالنسبة إليه وهذا واضح ،
ولكنّه يعاقب عليه لكونه وقع هذا الغصب بسوء اختياره ، ولمّا يتوقّف عليه بعد الدخول ترك الغصب الزائد كما هو المفروض وهذا الترك واجب بالفرض لكونه قادرا عليه ، فيتعلّق به الوجوب بحكم العقل الحاكم بالملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب مقدّمته ، فالخروج من الدار المغصوبة منهي عنه قبل الدخول ولذا يعاقب عليه ، ومأمور به بعد الدخول لكونه بعده مقدّمة للواجب المنجّز الفعلي.
فإن قلت : ما ذكرت إنّما يناسب القول بكفاية تعدّد الجهة في الأمر والنهي ، وأمّا على القول بعدمها فلا يصحّ ؛ لأنّ هذا الموجود الشخصي أعني : الحركة الخروجيّة مبغوض فعلا وإن سقط عنها النهي لمكان الاضطرار ، وكما أنّ الأمر والنهي لا يجتمعان في محلّ واحد كذلك الحبّ والبغض الفعليّان ؛ ضرورة كونهما متضادّين كالأمر والنهي.