فيها كون العمل بوجه يكون مقرّبا لفاعله ، وحينئذ فنقول : لا إشكال في وجود الجهة المحسّنة في المجمع بالفرض ، والجهة المقبحة وإن كانت موجودة فيه أيضا إلّا أنّها لا تؤثّر في الفاعل شيئا ، بمعنى أنّها لا تبعّده عن ساحة المولى ولا توجب انحطاط رتبته عنده ؛ لعدم تنجيزها بواسطة عدم المعلوميّة ، فحينئذ يجب عقلا فيما إذا قصد الفاعل العنوان العبادي المتّحد معها بداعي الجهة المحسّنة الموجودة فيه كالصلاتيّة أن يكون هذا العنوان مقرّبا له.
والحاصل أنّ النهي والتحريم وإن كان موجودا فعلا واقعا والأمر قد زال بمزاحمته ، إلّا أنّ هذا التحريم قد انسلخ عنه الأثر وهو التعبّد واستحقاق العقوبة مع أىّ عنوان اتّحد متعلّقة ، فلو كان العنوان المتّحد مع متعلّقه عباديّا فلا مانع من أن يؤثّر أثره من القرب وإن كان يزول تأثيره بالمزاحمة عند تأثير جهة التحريم.
الثاني : تصحيح الأمر في حقّ المعذور ، بدعوى أنّ الحكم الظاهري يمكن اجتماعه مع الحكم الواقعي وإن قلنا بعدم إمكان اجتماع الحكمين المتضادّين في عرض واحد ، فالخمر يمكن أن يكون حراما في الواقع وحلالا في الظاهر ؛ وذلك لما قرّر في محلّه من عدم استحالة جعل الحكمين المتضادّين في موضوع واحد إذا كان أحدهما في طول الآخر ؛ فإنّ الحكم الظاهري مجعول في موضوع الشاك في الواقع ، فهو متأخّر رتبة عن الشكّ في الواقع ، والشكّ فيه متأخّر رتبة عن نفس الواقع ، إلى آخر ما بيّن في محلّه.
وحينئذ نقول : يمكن بناء على هذا جعل الحكم الترخيصي في موضوع الشاك في الغصب موضوعا أو حكما من دون منافاته للحرمة الواقعيّة ؛ فإذا أمكن ذلك أمكن جعل الحكم الوجوبي في هذا الموضوع أيضا ، وضدّيته للحرمة لا يوجب الفرق ؛ فإنّ الترخيص أيضا ضدّ لها ؛ لوضوح تحقّق التضاد بين الأحكام الخمسة بأسرها ، فهذا الوجوب وإن كان كالحكم الظاهري مجعولا في حقّ الشاكّ في الواقع ، إلّا أنّه يفيد أثر الحكم الواقعي أعني : أنّ موافقته موجبة لسقوط الإعادة والقضاء عن المكلّف ولو مع تبيّن الخلاف والحرمة ، ووجه ذلك وجود ملاك المحبوبيّة واقعا في المأتيّ به