فالأوّل كما في الصلاة في الحمام ، فإنّ الصلاة خارج الحمّام بدل عن الصلاة فيه ، والثاني كما في صوم يوم العاشوراء والنافلة المبتدأة عند طلوع الشمس ؛ فإنّ الاستحباب فيها متعلّق بالطبيعة باعتبار الوجود الساري ، فيكون صوم كلّ يوم ونافلة كلّ زمان مستحبّين على الاستقلال لا بما هما فردان للطبيعة ، فلا يقع صوم غير يوم العاشوراء بدلا عن صومه ونافلة غير زمان الطلوع بدلا عن نافلته ، بل هما مستحبّان مستقلان.
أمّا القسم الأوّل فلا إشكال فيه على القول بالجواز مطلقا ، وأمّا على القول بالامتناع فينبغي التكلّم في حكم اجتماع الوجوب مع الكراهة ، ويظهر منه وممّا تقدّم حكم غيره من باقي صور اجتماع حكمين تكليفيين في واحد بوجهين ، فنقول على هذا القول هذه الصورة بعد اشتراكها مع الصورة السابقة في بقاء الملاكين وعدم التزاحم بين الجهتين أعني : المصلحة الوجوبيّة والحزازة هنا وفي عدم إمكان بقاء الأمر والنهي الفعليين بحالهما وعدم ورود التقييد على شيء منهما يفرق بينهما بلزوم تقييد الأمر هناك مع بقاء ملاكه وهو المصلحة بحكم العقل ، ولزوم تقييد الكراهة الفعليّة هنا مع بقاء ملاكها وهو الحزازة بحكمه أيضا.
وذلك لأنّ الصورتين وإن كانا مشتركين في ثبوت المندوحة من جانب الأمر وعدم ثبوتها من جانب النهي بمعنى كون الأمر لا مقتضى بالنسبة إلى الخصوصيّة وكون النهي مقتضى بالنسبة إليها ، إلّا أنّ الاقتضاء من جانب النهي التحريمي شديد ملزم مانع من النقيض طارد للوجود ، فيكون بضميمة ثبوت المندوحة من جانب الأمر مزاحما للأمر ومعاندا له ومقيّدا له وإن كان مصلحته أشدّ وأقوى.
وهذا بخلاف الاقتضاء في جانب النهي التنزيهي ، فإنّه ليس بشديد بحيث يكون ملزما للترك ومانعا من النقيض طاردا للوجود ، بل اقتضاؤه للترك مشوب بالترخيص في الفعل، فلهذا لا يزاحم الأمر ولا يعانده وإن كان فيه المندوحة ، فإذا صار الأمر بلا مانع يلزم قهرا انعدام الكراهة الفعليّة من البين مع بقاء الحزازة ، فيكون الصادر من المكلّف بناء على هذا عبادة مشتملة على الحزازة ، فلهذا يكون