لا ينافي الاختيار ، يعني إنّه يصحّ العقاب عليه لا أنّه يصحّ التكليف.
وهنا ثلاثة أقوال أخر : أحدها : وهو لصاحب الفصول قدسسره : أنّ المكلّف منهي قبل الدخول عن جميع أنحاء الغصب لكونه قادرا على ترك جميعها حتّى الخروج ، بمعنى أنّه يتمكّن من ترك الخروج وترك الدخول ، وبعد الدخول يسقط النهي من الخروج ويبقى أثره وهو ترتّب العقاب ، ويصير مأمورا به مقدّمة لترك الغصب الزائد فلم يجتمع الأمر والنهي في زمان واحد
الثاني : أنّ الخروج مأمور به ولم يكن منهيّا عنه من أوّل الأمر
الثالث : أنّه ليس بمأمور به ولا منهي عنه.
والتحقيق أنّه لو منعنا مقدّميّة الخروج لترك الغصب الزائد كما هو الحقّ لا سببا ، والترك إلى الصارف لا إلى الخروج ، نعم هو مقترن معه وملازم له ، لكن الملازمين في الوجود غير متلازمين في الحكم فحينئذ لا بدّ من الالتزام بعدم كونه مأمورا به ولا منهيّا عنه مع ترتّب العقاب كما هو القول الثالث. أمّا عدم الأمر فلعدم الملاك ، وأمّا عدم النهي فلمكان الاضطرار ، وأمّا ترتّب العقاب فلكون الاضطرار بمقدّمة اختياريّة.
ولو قلنا بالمقدّميّة فالحقّ ما ذكره صاحب الفصول قدسسره ويبقى الإشكال حينئذ في أنّه كيف يمكن تعلّق الطلب المقدّمي بما هو مبغوض فعلا أعني الخروج ، ولذا يعاقب عليه.
بل نقول : يستلزم ذلك اجتماع الحبّ والبغض في الشيء الواحد بوجه واحد ، فيكون ممتنعا حتى على القول بالجواز ، وذلك لأنّ متعلّق الأمر المقدّمي ليس عنوان المقدّميّة بل ذات الخروج ؛ إذ هو الذي يتوقّف عليه الواجب دون هذا العنوان.
ويمكن الجواب عنه أوّلا بالنقض بما لو وقع في هذه الأرض بغير الاختيار ، فإنّ الخروج مأمور به بناء على المقدّميّة قطعا مع أنّه متّصف بالمبغوضيّة الذاتيّة بلا إشكال ، غاية الأمر أنّ الفاعل معذور ، ولا يعقل تأثير معذوريّة الفاعل في رفع المتضادّين المحبوبيّة والمبغوضيّة.