وثانيا بالحلّ وهو أنّ الفعل لو كان في غاية المبغوضيّة وكان واقعا لا محالة بحيث لا يمكن المخالفة من وجوده في الخارج فلا إشكال في عدم صحّة الزجر عنه وإن صحّ العقاب عليه ، وإذا كان الاضطرار إليه بمقدّمة اختيارية ، فحينئذ لو كان مقدّمة لمطلوب فلا مانع من طلبه مقدّمة لهذا المطلوب ؛ إذ كما أنّ المبغوض الذي سقط عن تأثير الزجر في نفس الآمر لأجل مزاحمة المحبوب الأهم لا يزاحم هذا المحبوب في التأثير كما لو غرق إحدى محارم الشخص في الماء ولم يتمكّن بنفسه من إنقاذها فإنّك هل تجد من نفسك أنّ هذا الشخص لا يأمر أحدا بإنقاذها وتركها حتى يغرق لأجل كراهته من وصول يد هذا الأجنبي إليها ، أو أنّه يرضى بذلك لكون ملاكها أشدّ كراهة عنده من وصول يد هذا الأجنبي إليها ، فكذا المبغوض الساقط عن تأثير الزجر بواسطة لا بدّية وقوعه أيضا لا يزاحم المحبوب وإن كان المحبوب أضعف منه بمراتب.
مثلا لو فرضنا أنّ جميع تصرّفات العبد وأكوانه في مكان مخصوص مبغوض للمولى فوقع فيه إمّا بسوء اختياره أو بدون الاختيار ، ولم يتمكّن من الخروج أبدا فحينئذ لو أمره المولى بخياطة جبّة له في هذا المكان ومع ذلك عاقبه على مطلق التصرّف في هذا المكان إذا كان الوقوع بسوء اختياره ، فهل ترى أنّه فعل قبيحا.
والحاصل أنّ المستحيل هو اجتماع المبغوض المؤثّر للزجر مع المحبوب المؤثّر للبعث في فعل واحد ؛ لمكان التناقض بين نقيضيهما وهما الوجود والعدم ، وأمّا المبغوض الساقط عن تأثير الزجر فلا استحالة في اجتماعه مع المحبوب المؤثّر أصلا ؛ إذ مرجع هذا إلى أنّ الشيء من حيث الذات مبغوض وصار بعد سقوط مبغوضيّة الذاتيّة عن التأثير محبوبا بالعرض ، فلم يجتمع المحبوبيّة والمبغوضيّة فيه في عرض واحد ، بل تعلّق المحبوبيّة بعد سقوط المبغوضيّة عن التأثير.
وأمّا قولكم : يستلزم ذلك اجتماع الحبّ والبغض في الشيء الواحد بوجه واحد ، فلم نفهم معناه ؛ فإنّ الفعل فيما نحن فيه بعنوان أنّه غصب متعلّق للبغض ، وبعنوان أنّه خروج متعلّق للحبّ ، فلم يتّحد متعلّقهما.