فإن قلت : لعلّ التقسيم بالنسبة إلى المقدّميّة وعدمها ، لا بالنسبة إلى الانحصار وعدمه بعد فرض المقدّميّة.
قلت : عدم المقدّميّة ليس إلّا في الاضطرار العقلي ، نظير إهراق الطعام في الفم وهو غير مراد ؛ لعدم صحّة التكليف معه ، وإنّما المراد الاضطرار العرفي الغير المنافي للاختيار المصحّح للتكليف وهو ليس إلّا فيما إذا كان الاضطرار إلى أحد محذورين أو محذورات كان أحدها أخفّ ، وهذا ملازم للمقدّميّة.
ثمّ إنّه قدسسره ذكر من جملة الفروع التي ذكرها عند بيان الثمرة أنّ الصلاة في الأرض المغصوبة في سعة الوقت صحيحة على القول بالامتناع ؛ لغلبة ملاكها على ملاك النهي وكون الباقي من ملاكها ملزما ، والصلاة في الأرض المباحة وإن كانت أهمّ لاشتمالها على مصلحتين ملزمتين وهذا موجب لعدم الأمر بهذه الصلاة وإن كان لا يوجب النهي عنها ؛ لكنّ الحقّ كفاية الملاك في صحّة العبادة ، أمّا كون الباقي من ملاكها بعد الغلبة ملزما فللإجماع على تعيّن الصلاة في ضيق الوقت المستكشف منه كون الباقي مصلحة لازمة الاستيفاء ، وأمّا كون الذاهب بالمزاحمة ملزما فإنّ مزاحمة المفسدة الملزمة لا تتأتّى إلّا من المصلحة الملزمة ، وحينئذ فالصلاة المذكورة صحيحة وإن كان المكلّف معاقبا على ترك درك الأهمّ.
وفيه أنّ التزاحم ليس بين الملاكين نفسهما حتّى يحتاج إلى الموازنة بينهما وإنّما هو في مقام تأثيرهما في نفس الأمر ، والموازنة بينهما في هذا المقام إنّما يحتاج إليها إذا كان رفع اليد من أحد الغرضين متحتّما ، وأمّا إذا كان الجمع بينهما ممكنا فاللازم تقييد ذي المندوحة وإن كان أهمّ ، فيكون الصلاة في الأرض المغصوبة في سعة الوقت على هذا باطلة على القول بالامتناع.
الأمر الثاني : قد عرفت أنّ محلّ الكلام ما إذا كان المقتضي في كلا العنوانين محرزا في مورد التصادق وأنّ الواجب بحكم العقل بناء على الامتناع تقييد ذي المندوحة من المقتضيين في مقام الإرادة وإن كان أهمّ. وإذن فلا تفاوت أصلا بين أن يكون الدليلان متعرّضين للحكم الاقتضائي أو أحدهما له والآخر للفعلي أو كلاهما