ومن هنا ظهر كون الإرادة اختياريّة وبطلان ما تمسّكوا به على عدم اختياريّته من لزوم التسلسل على تقدير اختياريّته بتقريب أنّ الفعل الاختياري ما كان مسبوقا بالإرادة ، فلو كانت الإرادة اختياريّة لزم أن تكون مسبوقة بإرادة اخرى وهي بإرادة ثالثة ، وهكذا إلى غير النهاية.
وجه البطلان أنّ التسلسل إنّما يلزم لو لم يكن للإرادة مبدأ سوى الإرادة ، وقد عرفت أنّها إمّا أن تكون موجودة من جهة المبادي في متعلّقها ، وإمّا أن تكون موجودة من جهة المبادي في نفسها ، فعلى الأوّل فلا شكّ أنّ علّتها هي تلك المبادي ، وعلى الثاني فحالها حال الفعل الخارجي ، فكما أنّه معلول للإرادة فكذا هذه أيضا معلولة لإرادة ثانية وهذه الإرادة الثانية بالنسبة إلى الإرادة الاولى حالها حال الإرادات الآخر بالنسبة إلى متعلّقاتها ، فكما أنّها معلولة للمبادي في المتعلّقات فكذا هذه أيضا معلولة للمبادي في الإرادة الاولى.
وظهر ممّا ذكرنا أيضا أنّ الإرادة التي توجد من جهة المبادي في نفسها اختياريّة ؛ لأنّ حالها حال الفعل الخارجي بعنيه. وأمّا الإرادة التي توجد من المبادي في المتعلّق سواء كان إرادة أم فعلا خارجيّا فلازم ما ذكرنا أنّها اختياريّة أيضا.
بيان ذلك أنّ الشخص كما يكون مختارا وواليا على فعله الصادر عن إرادته ، كذلك قد يصير واليا ومختارا على فعل غيره الغير المستند إلى إرادته ، والدليل على ذلك أنّ مجيء زيد في الدار فعل له موجد بإرادته لا بإرادة صاحب الدار ، لكن لصاحب الدار أن يمنع من تحقّق هذا الفعل بإغلاق الباب ونحوه ، وله ترك ذلك ، فالمجيء وعدم المجيء وإن كان كلاهما صادرا عن إرادة زيد لكن لصاحب الدار دخل وعليّة فيهما ، فولاية الوقوع واللاوقوع ثابتة لصاحب الدار ، ولا نعني بالاختياريّة إلّا ذلك.