قلت : المسبّب للأسباب الجعليّة التشريعيّة يكون هو الوجود لكن لا على نحو مسببيّته للأسباب العقليّة التكوينية ؛ فإنّها فيها تكون على وجه يلزم من وجود السبب وجود المسبّب ، وأمّا في التشريعيّات فوجود الأسباب أيضا مقتض لوجود المسبّبات لكن بجعل الآمر في نظره ، وأمره بإيجاد المسبب ناش من قبل هذا الاقتضاء ، فكأنّه يجعل المكلّف حادثا للمقتضي ويأمره بانفاذ اقتضائه وإجرائه وترتيب مقتضاه عليه ، ونظيره قول القائل : البيت صار كثيفا ويقتضي الكنس ، فيثبت الاقتضاء لنفس كثافة البيت ، غاية الأمر أنّه لمّا يرى المقتضي قاصرا يأمر الغير بإنفاد اقتضائه ، فعلم أنّ تعدّد السبب في الأسباب الشرعيّة قاض بتعدّد الوجود.
فإن قلت : سلّمنا تعدّد السبب وتعدّد التأثير وكون المسبب هو الوجود دون الوجوب، لكن نقول هذا لا يقتضي تعدّد الوجود ؛ وذلك لأنّ كلّ فرد من أفراد هذه الأسباب يقتضي وجود عنوان ، والعناوين التي تكون مسبّبات لها متصادقة في وجود واحد ، فيحصل امتثال أوامرها بإتيان وجود واحد كما يحصل أكرم العالم وأكرم الهاشمي بإكرام المجمع.
قلت أوّلا : إن المفروض اتحاد عنوان المسبّب لهذه الأسباب كعنوان التوضّؤ ونزح الأربعين ، ومع فرض اتّحاد العنوان يكون تعدّد السبب قاضيا بتعدّد الوجود بلا إشكال.
وثانيا : لو شككنا في مقام في أنّ المسبّب عنوان واحد أو عناوين متعدّدة فالمرجع هو الاشتغال دون البراءة ؛ إذ بعد اليقين بأنّ تحقّق كلّ سبب اقتضى تحقّق شيء واشتغال الذمّة والتعهّد به نشكّ في أنّ المشتغل به يكون عنوانا واحدا أو عناوين متعدّدة غير متصادقة في فرد أصلا ، حتى لا يحصل الفراغ بالوجود الأوّل ، أو يكون عناوين متعدّدة متصادقة في الوجود الأوّل حتّى يحصل الفراغ به ، فنحكم بوجوب تعدّد الوجود وليحصل الفراغ اليقيني بعد الاشتغال اليقيني ، فالشكّ إنّما هو في حصول الامتثال والخروج عن العهدة بعد العلم بثبوت التكليفين لا في التكليف