انتفاء السلب الكلّي الحاصل بالإيجاب الجزئي واستقرب قول المخالف ، وجعله الآخر موجبة كليّة مستندا إلى أنّ مفاد المنطوق كون الكريّة علّة منحصرة للسلب الكلّي ، ومرجعه إلى أنّ الكريّة علّة منحصرة لعدم تنجيس كلّ واحد من أفراد النجاسات ، فيلزم من انتفائها تنجيس جميع النجاسات ؛ فإنّه لو قلنا في القضيّة الشرطيّة بالمقالة الاولى كان ما ذكره الثاني حقّا ؛ إذ لو كان عدم تنجّس بعض النجاسات مستندا إلى عدم قابليّتها وعدم تنجيس بعض آخر إلى الكرّية لم يصدق كون الكريّة علّة تامّة منحصرة لعدم تنجيس جميع النجاسات بل لعدم تنجيس بعضها.
ولو قلنا بالمقالة الثانية كان ما ذكره الأوّل حقّا ، فلو فرض كون شيء سببا متمّما لعموم بحيث كان بعض هذا العموم متحقّقا ومستندا إلى غير هذا الشيء وتتمّته مستندة إليه صحّ أن يقال : لو تحقّق هذا الشيء تحقّق هذا العموم ، مثلا لو فرض كون عدم خوف المخاطب من أحد على الوجه الكلّي مستندا بالنسبة إلى بعض الأشخاص إلى عدم تسلّط هذا البعض عليه ، وبالنسبة إلى بعض آخر مستندا إلى مصاحبة المخاطب مع زيد صحّ أن يقال : إذا كنت مع زيد فلا تخف أحدا.
وحينئذ فمفاد منطوق الرواية ليس إلّا مجرّد تعليق السلب الكلّي بالكريّة من دون إشعار بكونه علّة منحصرة له ، فلا جرم يلزم من انتفاء الكريّة انتفاء هذا السلب الحاصل بالإيجاب الجزئي.
وكيف كان فلو قلنا بالمقالة الثانية نقول في باب الأسباب الشرعيّة : إنّ المستفاد من الدليل ليس بأزيد من أنّه متى تحقّق واحد من الأحداث وجب تحقّق الوضوء بعده ، أو أنّه متى تحقّق وقوع الكلب أو الهرّة مثلا وجب تحقّق نزح الأربعين بعده ، ولا شكّ في أنّ هذا المعنى يصدق فيما إذا احدث أحداث متعدّدة وتحقّق عقيبها وضوء واحد ، أو تحقّق وقوع كلاب متعدّدة أو كلب وهرّة وتحقّق نزح الأربعين مرّة واحدة بعده ، فيصدق تعقّب الوضوء بالنسبة إلى كلّ واحد من الأحداث ، وتعقّب النزح بالنسبة إلى كلّ واحد من الوقوعات.