أقول : الترديد باعتبار الاستعمال في النفس وعدم الاستعمال ، فرتّب على الأوّل اتّحاد الدالّ والمدلول ، وعلى الثاني تركّب القضيّة من جزءين ، وما ذكره في الشقّ الأوّل صحيح ولكن الشقّ الثاني مستدرك ؛ لأنّ المفروض استعمال اللفظ في نفسه ، ففرض عدم الاستعمال خروج عن المفروض.
والإنصاف عدم جواز استعمال اللفظ في شخص نفسه لما ذكره المستدلّ من الاتّحاد؛ فإنّ قضيّة الاستعمال أن يتعقّل معنى ويجعل اللفظ حاكيا ومرآتا ، وهذا لا يتحقّق إلّا بالاثنينيّة والتعدّد.
لا يقال : يكفي التعدّد الاعتباري بأن يقال : إنّ لفظ زيد مثلا من حيث إنّه لفظ صدر عن المتكلّم دالّ ، ومن حيث إنّ شخصه ونفسه مراد مدلول.
لأنّا نقول : هذا النحو من الاعتبار يطرئه بعد الاستعمال ، فلو أردنا تصحيح الاستعمال بهذا النحو من التعدّد يلزم الدور.
ولكن أورد في الكفاية على ما ذكره في الشقّ الأوّل بأنّه يمكن أن يقال بكفاية التعدّد الاعتباري بين الدالّ والمدلول ، فيكون اللفظ باعتبار أنّه لفظ صادر من المتكلّم دالّا ، وباعتبار أنّه مراد له مدلولا.
أقول : وهذا يستلزم الدور ؛ لأنّ وصف الداليّة والمدلوليّة يتوقّف على التعدّد وهو يتوقّف على وصف المراديّة ، ووصف المراديّة مع وصف الداليّة والمدلوليّة في مرتبة واحدة ، فما يتوقّف على الأوّل يتوقّف على الثاني أيضا.
«فصل»
هل يمكن أن يقال زيد مجردا عن الدلالة على شيء أصلا بقصد إلقاء الموضوع في عالم الخارج ويحكم على الصوت الخارجي المشتمل على «زاء» «ياء» «دال» بأنّه لفظ أو لا يمكن؟ توضيح المقام يحتاج إلى بيان مقدّمتين.
الاولى : لا شكّ أنّ تركيب القضيّة لا يمكن إلّا بتوسيط الذهن ، فلا بدّ أن يكون الحمل بين شيئين ذهنيين في طرف التقرّر ؛ ضرورة اقتضاء الحمل وجود شيئين بجعل