أحدهما موضوعا والآخر محمولا ، وذلك يكون أبدا في الذهن ، ولا بدّله من الايجاد إمّا في ظرف الخارج أو في ظرف الذهن ليكون الحمل باعتباره ، وذلك بأن نلاحظ في الذهن صورة الموضوع مجرّدا عن المحمول ، وصورة المحمول مجرّدا عن الموضوع ونقطع النظر عن وصف الذهنيّة والتجريد ، ونحكم بأنّ هذين الشيئين الذين هما اثنان في ظرف التقرّر واحد في الخارج أو في الذهن ، فعلم أنّ وصف تجريد كلّ من الموضوع والمحمول من الآخر لا بدّ منه في تحقّق القضيّة وهو لا يتحقّق في الخارج ؛ ضرورة أنّهما فيه واحد ، فالموضوعيّة والمحموليّة وصفان طارئان على الذهني في ظرف التجريد بلحاظ حكايته عن الواقع ، لا على الخارجي بخارجيته، فبمجرّد تحقّق زيد قائم في قائم الخارج لا يتحقّق القضيّة ما لم ترتب صورتها في ذهن ذاهن.
الثانية : لا بدّ أن يكون الموضوع منظورا إليه بالنظر الفراغي ، يعنى يفرض مفروغا عن وجوده في موطنه من خارج أو ذهن وإن لم يكن موجودا واقعا فلنفرض كذلك كما في موضوع القضيّة الكاذبة ، ضرورة أنّ إثبات اللوازم والأحكام لشيء فرع ثبوت هذا الشيء وبعد الفراغ عن نفسه ، فالمتكلّم بالقضيّة المريد لإثبات المحمول للموضوع يكون نظره إلى الموضوع نظرا فراغيّا لا محالة ، ولا يمكن إثبات شيء لشيء في غير هذا النظر ، ومفروغيّة كلّ شيء بحسبه ، ففي مثل «الإنسان حيوان ناطق» أو «زيد موجود» هي مفروغيّة الطبيعة المقرّرة بحسب ظرف التقرّر وفي مثل «زيد قائم» هي مفروغيّة الوجود الخارجي ، وفي مثل «علمي قليل» هي مفروغيّة الوجود الذهني.
إذا عرفت المقدمتان علم أنّ زيدا في المثال لا يكون موضوعا من جهتين ، الاولى : أنّه أمر خارجي ، وقد مرّ في المقدّمة الاولى أنّ الخارجي لا يتّصف بالموضوعيّة ، الثانية : أنّه غير متصوّر بالتصوّر الفراغي بل بالتصوّر المقدّمي للايجاد ، وهو غير كاف في الموضوع ، فلا بدّ أن يتصوّر ثانيا مفروغا عنه ، فيكون هذا المتصوّر الثاني موضوعا.