ظاهر في التخصيص كما لو ورد بعد أكرم العلماء إلّا زيدا : لا تكرم عمروا ، وكان العمرو مشتركا بين شخصين ، أحدهما عالم والآخر جاهل وكان منصرفا عند الإطلاق إلى العالم ، فعلى الثاني يعامل معه معاملة العام والخاص فيقدّم الخاص المذكور على العام ، وعلى الأوّل لا بدّ من موازنة ظهور العام المؤيّد بظهور الأداة في الحصر مع ظهور الخاص وترجيح ما كان أقوى منهما ، وربّما يكون الأقوى ظهور العام ، فإنّ الخاص على هذا معارض لظهور العام ولظهور الأداة أيضا ؛ فإنّ مفاد «إلّا زيدا» ينحصر غير واجب الإكرام من العلماء في زيد، ومفاد الخاص المنفصل أنّ عمروا يكون غير واجب الإكرام أيضا والنسبة بينهما تباين.
وأنكر أبو حنيفة دلالة القضيّة المذكورة على الحصر مستدلا بقوله : لا صلاة إلّا بطهور ؛ إذ لو كان للاستثناء مفهوم لزم إثبات الصلاة مع الطهور مطلقا وإن اجتمع مع عدم القبلة ، وبطلانه من الواضحات ، فعلم أنّ الاستثناء من النفي مثلا غير مفيد لحصر النفي في السابق والإثبات فى اللاحق.
والجواب أنّ بعد إثبات المفهوم للقضيّة بحكم الوجدان لا بدّ من التوجيه في أمثال هذه القضيّة كقوله : لا يحلّ مال امرئ الخ إمّا بجعل المنفي هو المستجمع لجميع الشرائط ممّا سوى المذكور بعد «إلا» فيقال في المثال : إنّ الصلاة التي فرض اجتماعها للشرائط غير الطهارة ليست بصلاة إلّا مع الطهور ، وإمّا بجعل النفي مطلقا وفي جميع الحالات حتّى يكون مفاد الأداة نفي النفي المطلق اللازم منه الإيجاب الجزئي ، فيقال في المثال : الصلاة منفيّة على وجه الإطلاق مع كلّ شيء إلّا مع الطهور ، فليست منفيّة على وجه الإطلاق ، وليس مفاد هذا إلّا ثبوت الصلاة مع الطهور في الجملة فيكون الحصر إضافيّا بالإضافة إلى الطهور.
ثمّ إنّه قد استدلّ لدلالة القضيّة على الحصر بقبول إسلام من قال : لا إله إلّا الله ، فإنّ للفظ وإن كان الموضوعيّة في المقام كما في العقود بمعنى عدم كفاية مجرّد النسبة القلبيّة ، إلّا أنّ اللفظ من حيث كونه دالّا على المعنى جعل موضوعا للحكم بالإسلام وأمارة على الاعتقاد الجناني تعبّدا ، فدلالة هذه الكلمة على معنى التوحيد لا بدّ منه ،