البراءة ؛ لإجمال الدليل بلا إشكال ، ففي صورة وجود العامّ يرجع إلى عمومه ، بل يرفع بسببه الإجمال عن الخاص ؛ لكونه دليلا اجتهاديّا فمثبته أيضا حجّة ، فيقال : إنّ مرتكب الصغيرة يجب إكرامه بمقتضى عموم العام ، وكلّ فاسق يحرم إكرامه بمقتضى دلالة الخاص ، فينتج أنّ مرتكب الصغيرة ليس بفاسق ، فيتبيّن بذلك مفهوم الفاسق وأنّه خصوص من ارتكب الكبيرة.
وهذا بخلاف ما إذا كان المخصّص متّصلا ، فإنّ الكلام حينئذ واحد وعلى المخاطب أن يصبر إلى أن يأتي تمام أجزاء الكلام ولواحقه ثمّ ينظر أنّ المستفاد من مجموع الصدر والذيل ما ذا فيحكم بأنّ هذا المستفاد هو ظاهر القضيّة ، فإذا قال : أكرم العلماء فليس للمخاطب أن يحكم بمجرّد سماع هذا أنّ المراد عموم العلماء ، نعم يكون له حينئذ ظهور بدوي في العموم كظهور لفظ الأسد بدوا في الحيوان المفترس ، ولكنّه ليس ظهورا مستقرّا معتدّا به إلّا بعد مجيء تتمّة الكلام ، فإن لم يكن في التتمّة قرينة على خلاف هذا الظاهر البدوي صار مستقرّا وإلّا استقرّ الظهور على الخلاف ، كما في رأيت أسدا يرمي ، ولازم هذا أنّه إذا كان في التتمّة لفظ مجمل كقوله : إلّا الفسّاق منهم كان الإجمال ساريا إلى عموم العام أيضا.
هذا تقريب مرامهم قدسسرهم (١) ، والإنصاف أنّه لم يحصل الجزم به إلى الآن و
__________________
(١) ومحصّله أنّ أصالة الجهة أعني أصالة التطابق بين الإرادتين في صورة الاتّصال غير جارية ؛ لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة ، وهي جارية في صورة الانفصال في غير مورد حجيّة الدليل الخاص ، وأمّا الظهور الاستعمالي فلا شبهة في انعقاده في العموم موضوعا وحكما سواء في المتّصل الذي من قبيل أكرم كلّ عالم إلّا زيدا أو ولا تكرم زيدا أم في المنفصل.
نعم المتّصل الذي من قبيل أكرم كلّ عالم عادل تضيّق لدائرة موضوع الحكم المنشأ في القضيّة الاستعماليّة أيضا ، ففي صورة إجماله يصير مورد الشكّ من الشبهة الموضوعيّة التي لا شبهة في عدم اعتبار العام فيها لعدم الظهور رأسا لا لعدم جريان أصالة الجهة مع حفظ الظهور ، فانقدح أنّ في المتّصل يكون وجه الإجمال إمّا نقصان الدلالة وإمّا نقصان ـ