«فصل»
العام والخاص قد يكونان متعاقبين بتقديم الأوّل على الثاني أو العكس ، وقد يكونان متقارنين ، فإن كان العام مقدّما على الخاص فإمّا أن يكون الخاص واردا بعد حضور العمل بالعام ، وإمّا أن يكون واردا قبله ، فالخاص المتأخّر سواء ورد عقيب وقت الحاجة إلى العمل بالعام أم قبله يكون تخصيصا أو ما هو كالتخصيص.
بيان ذلك : إنّا نشاهد كثيرا من الأحكام جرت بلسان النبيّ صلىاللهعليهوآله في القرآن أو السنّة أو واحد من الأوصياء عليهمالسلام على وجه العموم ، ثمّ ورد بعد أزمنة متمادية ما يدل على خلاف الحكم في بعض أفراد العام على لسان الإمام المتأخّر عليهالسلام ، ومثل هذا كثير في الأحكام جدّا.
فإن قلنا بأنّ ذلك من قبيل النسخ وأنّ الخصوصيّات المتأخّرة الجارية على لسان المتأخّر نواسخ للعمومات الجارية على لسان النبي أو الوصيّ المتقدّم بالنسبة إلى الفرد الخاص، فهذا وإن كان سليما ممّا توهّم كونه إشكالا على النسخ من استحالته ، من جهة استلزامه إمّا الإيقاع في المفسدة أو تفويت المصلحة ـ لإمكان أن تكون المصلحة مقيّدة ببرهة من الزمان ففي الحقيقة واللب يكون النسخ إظهارا لانقضاء أمد المصلحة الموجبة للحكم السابق وانقلابه بالقيد ، لا أنّه رفع لما كان ثابتا وإن كان هو كذلك بحسب مقام الظاهر والإثبات ؛ إذ الرفع لا يتحقّق إلّا بالنسبة إلى غير العالم بالعواقب الجائز في حقّه البداء بأن يلتفت في اللاحق بمصلحة لم يكن ملتفتا لها في السابق فرجع عن حكمه السابق ورفعه في اللاحق وبدّله بالضدّ لا بالنسبة إلى الحكيم تعالى. وكذا لا يرد على هذا الوجه مخالفته لقوله عليهالسلام : «حلال محمّد صلىاللهعليهوآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة» ؛ إذ مفاد القضيّة أنّ الأحكام التي جاء بها النبي من قبل الله باقية إلى يوم القيامة من دون أن يبدّلها شريعة جديدة كما في الشرائع السابقة. والفرق بين هذا النسخ وبين نسخ الشرائع أنّ الأوّل يكون ناسخه ومنسوخه ممّا جاء به النبي ، غاية الأمر أنّه أوكل