نلاحظ له جميع التعيّنات والتشخّصات والحدود بحيث لا يكون صادقا بهذه التشخّصات إلّا على واحد فقط ونجرّده عما يكون الصورة الأوّلي متجرّدة عنه من الزيديّة والعمرويّة والبكريّة ، وكذا خصوصيّة تمام الأفراد ، فهذه الصورة أيضا لا بدّ أن يكون جزئيّة إذ لا فرق بين هذه وبين تلك إلّا في مجرّد أنّ الاولى كانت منطبقة على شبح خارجي هو مشتمل على الزيديّة ، ولكن هذا الا يعقل أن يوجب تفاوتا ، إذ لا يعقل دخل ثبوت الزيديّة للأمر الخارجي في جزئيّة ما يتعقّل في الذهن مع كونه معرّى عن وصف الزيديّة ، فإذا كان هذه الصورة المعرّاة عن الزيديّة والعمرويّة ونحوها جزئيا ، فكذا تلك المعرّاة عن هذه أيضا ؛ إذ لا فرق بينهما أصلا ، فهذا المعنى لا محالة يكون مصداقه أبدا شيئا واحدا لا أزيد ، غاية الأمر أنّه يدور بين تمام الإفراد ، وإمكان اشتراك المصداقيّة له بين جميع الأفراد في عرض واحد لا ينافي ذلك ؛ إذ الإمكان غير الصدق ، فلا يتّصف جميع الأفراد بالمصداقيّة له في عرض واحد ، ولكن يتّصف جميعها بإمكان المصداقيّة له كذلك.
ومحصّل ما ذكرنا أنّ تعقّل معنى له تعيين عند الله وفي اللوح المحفوظ كما في ما يتصوّر عند رؤية الشبح جزئي بمعنى أنّه غير قابل لأن يتحمّل أن يكون طرفا لزيد وعمرو في عرض واحد كما هو الحال في الكلّي الطبيعي بالنسبة إلى أفراده ، فيصحّ أن نقول : هذا هو الإنسان ، وهذا هو الإنسان ، وهذا هو الإنسان ، ولكن لا يصح فيما نتعقّل عند رؤية الشبح المتحرّك من البعيد ولا يتحمّل الأفراد بهذا النحو ، فلا يصحّ أنّ زيدا هذا وعمروا هو بكرا هو.
نعم يمكن أن يكون زيدا وعمروا وبكرا ، لكن إن كان زيدا لا يكون عمروا وإن كان عمروا لا يكون زيدا وإن كان بكرا لا يكون عمروا ولا زيدا ، وهذا معنى صدقه على كثيرين على البدليّة ، يعني يصدق على هذا بدلا عن ذاك وعلى ذاك بدلا عن هذا ولا يصدق عليهما معا.
وبعبارة اخرى لا يصدق على كثيرين في واحد بالعطف بالواو ، بل يصدق على الكثيرين في الطول وبالعطف بكلمة «أو» وهذا معنى جزئيّته ، مع أنّ هذا المعنى