لا يكفي هذا المقدار لتعيين الإطلاق في المقام ؛ إذ لا يثبت بهذا في ألفاظ المطلقات إلّا مجرّد كون المتكلّم بصدد بيان المدلول اللغوي للفظ وهو الطبيعة المهملة وقد فرضنا أنّه مقسم للإطلاق والتقييد فيبقي التحيّر والتردّد بحاله ؛ إذ لا إشارة في المقسم إلى تعيين شيء من الأقسام.
وأمّا الثاني : فهو عبارة عن كون المتكلّم علاوة على ما ذكر من كونه مريدا للمدلول اللفظي بصدد بيان تمام المراد اللبّي ، لا في مقام الإجمال والإهمال كما في قول الطبيب : اشرب الدواء ، وهذا هو المقصود في المقام والمحتاج إليه لتعيين الإطلاق ؛ إذ مع إحراز هذه الحالة للمتكلّم نقول : لو كان للمراد الجدّي اللبّي قيد في اللّب لكان اللازم ذكره ؛ إذ يلزم من عدم ذكره نقض الغرض ، فحيث لم يذكر القيد يعلم أنّ المراد بحسب اللبّ هو المطلق الخالي عن كلّ قيد.
لكن يمكن أن يقال بعدم الحاجة إلى تلك المقدّمات وهو الشقّ الثاني من طرفي الترديد الذي ذكرناه ، وذلك بأن نقرّر الأصل على تعيين إرادة الإطلاق عند عدم قرينة لفظيّة وعدم انصراف في البين.
بيانه أنّ المهملة مردّدة بين المطلق والمقيّد ولا ثالث لهذين وهذا واضح ، ولا إشكال أنّه لو كان المراد هو المقيّد كما في مواضع علم ذلك بالقرينة تكون الإرادة أصالة متعلّقة بالمقيّد ، ومركب الحبّ الأصالي يكون أوّلا وبالذات هو المقيّد.
نعم يصحّ انتساب الإرادة والحبّ إلى نفس الطبيعة حينئذ بالعرض والمجاز وثانيا وبالتبع على طريق الإسناد إلى غير ما هو له ، نظير ما إذا كان المطلوب الأوّلي فردا من الرجل ولا شكّ أنّ هذا الفرد مطلوب ومحبوب بالحقيقة والأصالة ويسري منه إلى طبيعة الرجل لمكان اتّحادها مع الفرد فينسب إلى الطبيعة بالعرض والمجاز.
فنقول : الظاهر من قوله : جئني بالرجل أو برجل كون تعشّقه وحبّه أوّلا وبالذات متعلّقا بالطبيعة ، لا أنّه كان متعشّقا بالمقيّد وطالبا إيّاه ثمّ تأمّل والتفت إلى أنّ هذا الحبّ والتعشّق يسريان إلى ما هو متّحد مع هذا المقيّد من الطبيعة أو ما هو