والجواب عن الثالث أنّه قد جرى الاصطلاح على أنّه متى كان المعنى المتصوّر حال الوضع خاصّا كان كلّ من الوضع والموضوع له خاصّا ، ومتى كان عامّا فإن كان تعهّد الواضع على التلفّظ باللفظ عند إرادة نفس العام كان كلّ منهما عامّا ، وإن كان على التلفّظ به عند إرادة جزئياته كان الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ، ولا مشاحة في الاصطلاح.
ثمّ إنّه قد اشتهر عن الشيخ الرئيس أنّ الدلالة تتبع الإرادة وهو ظاهر الانطباق على ما ذكرنا ؛ إذ مفاده أنّ الدلالة التصديقيّة الثانية للفظ بالوضع على أنّ المعنى مراد للمتكلّم تابعة لإرادة المتكلّم للمعنى واقعا ، وما نرى من الانتقال إلى المعنى من الألفاظ وإن صدرت من غير الشاعر فهو من باب انس الذهن وليس من باب الدلالة ، ألا ترى أنّه لو صرّح واحد بأنّي ما وضعت اللفظ الكذائي بإزاء المعنى الكذائي وسمع منه الناس هذه القضيّة ينتقلون إلى ذلك المعنى عند سماع ذلك اللفظ مع أنّ هذا ليس من باب الدلالة قطعا.
لكن في الكفاية عند توجيه هذه العبارة ما حاصله أنّ الدلالة على قسمين :
الدلالة التصوّرية أعني كون سماع اللفظ موجبا لإخطار المعنى في البال وهذه هي الدلالة الثابتة للفظ بسبب الوضع ، وحيث إنّها لا يتوقّف على إحراز كون اللافظ عاقلا شاعرا مختارا فضلا عن كونه مريدا ، بل يحصل عند صدور اللفظ من الجماد أو سماعه من وراء الجدار بحيث لم يعلم أنّ اللافظ شاعر أم لا ، فلهذا لا يمكن حمل الدلالة في العبارة على هذه.
الثانى : الدلالة التصديقيّة اعني : التصديق والحكم بأنّ المعنى مراد للمتكلّم وهي متوقّفة على إحراز كون المتكلّم شاعرا مختارا وكونه بصدد الإفادة ، فحينئذ يحصل التصديق بأنه مريد للمعنى بحكم العقل لا بسبب الوضع ، والمراد من العبارة أنّ هذه الدلالة التصديقيّة العقلية تابعة للإرادة تبعيّة مقام الإثبات للثبوت والكاشف للواقع المكشوف.
أقول : الوضع من حيث إنّه شيء جعل الواضع نفسه في قيده إنّما يناسب أن