وحدة التكليف ولو لم يكن وحدة السبب محرزة ؛ ولهذا لم يفرقوا في الحمل على التقييد بين الصورتين ، فحملوا المطلق على المقيّد في الصورة الاولى أيضا التي ذكرنا أنّ الأمر دائر فيها بين مخالفة أحد الظهورات الثلاثة.
وربّما يتمسّك على المشهور بما ذكره الشيخ المرتضى قدسسره في باب التعارض والتراجيح من أنّه إذا دار الأمر بين التقييد ومخالفة ظاهر آخر فالتقييد أولى ؛ لموهونيّة ظهور المطلق في الإطلاق حينئذ ، فيكون أولى برفع اليد ؛ وذلك لأنّ ظهور المطلق متقوّم بعدم البيان ، فبورود ما يصلح للبيانيّة يصير ظهوره موهونا ، لكن قد عرفت فيما تقدّم دفع هذا بأنّه وإن كان قوام ظهور المطلق في الإطلاق بعدم البيان ، لكن بعدم البيان المتّصل لا بعدمه مطلقا ولو منفصلا حتى لا يستقرّ الظهور للمطلق أبدا.
نعم يمكن توجيه التقييد في الصورة المذكورة بوجه نفينا عنه البعد في باب الألفاظ ، ولكنّه مستتبع لثمرة لا يقول بها المشهور وهو أن يقال : الكلمات الصادرة من كلّ متكلّم ما دامت يكون في معرض إلحاق القيد والقرينة بها لا يستقرّ لها الظهور ، غاية الأمر أنّ المعرضيّة يختلف بحسب اختلاف المتكلّمين وكذا المخاطبين ، فالمتكلّم إذا كان من أهل العرف في التكلّم في الامور الجزئيّة الشخصيّة فمعرضيّة كلامه ما دام مشتغلا بالكلام ، فإذا فرغ استقرّ له الظهور ويعدّ القيد بعد ذلك متنافيا معه ، فلو قال أوّلا : أكرم جميع علماء أهل البلد فذكر في مجلس آخر : أهن زيد العالم يحمل ذلك على حصول البداء ونحوه ، ولا يحمل على أنّه أراد في كلامه الأوّل ما سوى هذا الفرد ، وكلامه الثاني قرينة على ذلك.
وأمّا إذا كان المتكلّم بانيا على عدم الاقتصار في بيان مقاصده على مجلس واحد ، لكون مقاصده مطالب عظيمة وقوانين كليّة لا يمكن تفهيمها إلّا بترتيب مجالس عديدة ولا يسع لها مجلس واحد ، فزمان المعرضيّة بالنسبة إلى كلام هذا المتكلّم في مقام اليقين يصير أوسع ولا يكتفي بمجرّد انقضاء المجلس وانقطاع الكلام ، بل يختلف الحال في ذلك بين المخاطبين.