«فصل»
لا شكّ أنّ فائدة الفراغ عن معنى اللفظ من أيّ طريق كان هو عدم حاجة المكلّف في مقام العمل إلى إجراء الأصل من البراءة والاحتياط ونحوهما ، فلو علم أنّ معنى لفظ الصعيد في قوله : «فتيمّموا صعيدا» هو مطلق وجه الأرض الشامل للرمل والطين مثلا لم يحتج عند وجدانهما مع التراب الخالص إلى الاحتياط بالتيمّم به ، ولا عند وجدانهما مع فقده إلى الاحتياط بالتيمّم بهما ثمّ القضاء بعد ذلك مثلا.
ولا شكّ أنّ تبادر معنى من لفظ من حاقّه بحيث علم أنّه لا قرينة في البين أصلا شاهد قطعيّ بأنّ استناد هذا التبادر إلى الوضع ، ضرورة عدم مناسبة بين شيء من الالفاظ وبين شيء من المعانى قبل الوضع أصلا.
ثمّ إنّ هذا التبادر يكون على قسمين :
الأوّل : أن يكون عند العالم باللسان ويكون المستعلم هو الجاهل به كما لو شاهد شخص من العجم أنّ شخصا من العرب قال لصاحبه : جئني بالخبز ، فأتاه بالطعام المعهود فيعلم أنّ لفظ الخبز موضوع لجامع هذا الطعام ، وهذا القسم لا إشكال فيه.
الثاني : أن يكون التبادر عند نفس المستعلم فيكون الشخص الواحد مستفتيا ومجيبا معا ، وقد استشكل على هذا القسم بأنّه لا شكّ أنّ تبادر المعنى من اللفظ يتوقّف على العلم بأنّه معناه ؛ ضرورة أنّ الترك لا يفهم معنى اللفظ العربي قطعا ، فلو كان العلم بأنّه معناه متوقّفا على التبادر لزم الدور.
وقد أورد إمام المشكّكين نظير هذا الإشكال على الشكل الأوّل الذي هو أوضح الأشكال ، بيان ما أورد هو أنّ العلم بالكبرى بكلّيتها متوقّف على العلم بالنتيجة فلا بدّ أوّلا من العلم بأنّ العالم مثلا حادث لأنّه من أفراد المتغيّر ، فبدون العلم بحدوثه كيف يحصل العلم بأنّ كلّ متغيّر حادث؟ فلو كان العلم بالنتيجة متوقّفا على العلم بالصغرى والكبرى ونتيجة الاستدلال بهما لزم الدور.
والجواب عن هذا الإشكال في الشكل الأوّل بالفرق بين الموقوف والموقوف