عليه بالإجمال والتفصيل ، بيانه أنّ استعلام وجوب إكرام زيد بالخصوص مثلا من أجزاء علمه ، وأنّ كلّ عالم واجب الإكرام لا ينافيه علم المستعلم بأنّ كلّ عالم واجب الإكرام ؛ لأنّ من الواضح أنّ العلم بذلك لا يتوقّف على العلم بوجوب إكرام كلّ فرد فرد من العالم تفصيلا، فالموقوف عليه هو العلم بوجوب إكرام زيد إجمالا وبعنوان أنّه فرد للعالم ، والموقوف هو العلم بوجوب إكرامه تفصيلا وبعنوان أنّه زيد.
والجواب عنه في التبادر أنّ ما يتوقّف عليه التبادر هو العلم الارتكازي وما يتوقّف على التبادر هو العلم التفصيلي.
توضيح ذلك في عكس ما نحن فيه وهو ما إذ كان المعنى معلوما واللفظ غير معلوم هو أنّه مثلا لو فرض أنّ لك صديقا اسمه الحسن لكنّك نسيت اسمه فلا شكّ أنّك حينئذ كلّما عرضت على ذهنك لفظا غير لفظ الحسن كلفظ محمّد وأحمد وعلى وحسين ونحوها يأباه الذهن حتّى إذا عرضت عليه لفظ الحسن يقبله سريعا ويحكم بأنّه اسم هذا الصديق ، فثبت أنّ هنا علمين ، علما ارتكازيا حاصلا قبل القبول ، والدليل على وجوده هو الامتناع والقبول المذكوران ، وعلما تفصيليّا حاصلا بعده ، فما يتوقّف عليه القبول هو الأوّل ، وما يتوقّف على القبول هو الثانى.
فنقول فيما نحن فيه مثلا : لو فرض أنّك كنت من الأعراب أو مأنوسا بلغتهم واستعملت لفظة الماء في كلامك مرارا غير شاكّ في معناه أصلا لكن عرض لك كثرة المجالسة مع العجم ، وكثر التشكيك بين علمائهم فضلا عن عوامهم في بعض أقسام الماء فاشتبه الأمر بسبب ذلك عليك أيضا ، فشككت أنّ لفظ الماء موضوع للطبيعة الخاصّة فيما إذا كانت خالصة عن غيرها بالحسّ لا بالدقّة العقليّة أو لما هو أعم من ذلك بحيث يشمل وقية منها فيها ربع من التراب ، فلا شكّ أنّك حينئذ كلما عرضت على ذهنك لفظا غير لفظ الماء كلفظ الحمار والفرس والشجر ونحوها ليكون اسما لغير الخالص يأباه الذهن ، ومتى عرضت عليه هذا اللفظ لم يأب منه ، فهذا الامتناع وهذا القبول يدلّان على أنّ لفظ الماء موضوع للأعمّ من الخالص ؛ إذا المفروض أنّك كنت في السابق عالما بمعنى اللفظ بوجه صحيح.