منه غاية التنفّر ، فقول المولى : لا تعمل بهذا الظن يوجب القطع بعدم تنفّره من هذا ، وهذا ظنّ بالتضاد والتناقض كما أنّ الأوّل كان قطعا بهما ومجرد ذلك فرق لا ينفع ، فمن حيث الإشكال لا تفاوت بين القطع والظن.
إن قيل : إنّ القاطع ـ حيث إنّ القطع طريق ـ لا ينظر إلّا إلى نفس الواقع ولا يرى ورائه في هذه النظرة شيئا.
فالجواب أوّلا بمنع عدم إمكان الالتفات إلى نفس القطع ، بل يمكن أن يعلم القاطع بكونه قاطعا ، وثانيا لا فرق من هذه الجهة بين القطع والظن ؛ فإنّ الظن أيضا طريق ، ففي هذه النظرة لا ينظر إلى ما وراء الواقع.
إن قيل : إنّ الظّن حيث يكون فيه سترة وحجاب فالحكم المجعول فيه ظاهري ، وأمّا القطع فحيث إنّه تمام الانكشاف وكشف تامّ فليس الحكم المجعول عليه ظاهريّا.
قيل : لا نزاع لنا في الإسم ، فإن كان في الظّن ممكنا ففي القطع أيضا ممكن ولا نسمّيه باسم الظاهري بل باسم آخر ، وإن لم يمكن في القطع لا يمكن في الظنّ أيضا.
وبالجملة المدّعى عدم الفرق إشكالا وجوابا بين القطع والظّن من حيث القطعيّة والظنيّة بمعنى أنّه ليس مجرّد حيث الظنيّة موجبا لعدم جريان الإشكال أو اندفاعه ، ومجرّد حيث كون القطع قطعا موجبا لخلافه ، فهذا من حيث الإشكال.
وأمّا من حيث الجواب فكلّ جواب يدّعيه المجيب في الظنّ ندّعيه في القطع ؛ فإنّ المجيب لا يخلو من حالين ، إمّا يبنى في الجمع والتوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري بالقول بثبوت المراتب للأحكام بمعنى أنّه يقول : إذا تبيّن لنا الظاهري نحمل الواقعي المظنون على الحكم الشأني وإن كان ظاهره الفعليّة والوصول إلى مرتبة البعث والزجر ، والظاهري على الحكم الفعلي.
فنقول : لا فرق في ذلك بين القطع والظن ، فإذا وصل إليك المنع عن العمل بالقطع فاحمل الحكم الذي قطعت به من حرمة الشرب على الشأني ، وهذا النهي على الفعلي.