هذا فيما إذا كان الشكّ في أضيقيّة المفهوم وأوسعيّته ، وكذا فيما إذا كان الشكّ في أصل المعنى فيعرض المعاني على الذهن واحدا بعد واحد مع اللفظ ، فإذا قبل الذهن واحدا منها يحكم بأنّه معنى اللفظ.
هذا إذا كان جهل المستعلم مسبوقا بالعلم فيكون القبول وعدم القبول عنده موجبا لحصول العلم له بمعنى اللفظ ، وليس برهانا ودليلا عقليّا حتّى يلزم به الخصم ، وأمّا إذ كان جهله ابتدائيّا غير مسبوق بالعلم أصلا فحينئذ لا يمكن حصول التبادر عنده ، فالمقصود من التبادر الذي ذكر أنّه علامة للحقيقة إنّما هو التبادر عند أهل اللسان لغيرهم والتبادر عند المستعلم الذي كان عالما في السابق.
ثمّ إنّ أصالة الحقيقة المعبّر عنها بأصالة عدم القرينة أيضا مقيّدة عند الشكّ في أنّ استناد التبادر إلى حاقّ اللفظ أو إلى القرينة ، فلو شكّ أعجمي عند قول عربي لعربيّ آخر : جئني بالأسد ، وإتيانه برجل شجاع في أنّ لفظ الأسد موضوع لمطلق الشجاع أو للحيوان المفترس واريد الرجل الشجاع بقرينة من حال أو مقال قد اختفت عليه ، وبعبارة اخرى في أنّ استناد فهم المخاطب إلى حاقّ اللفظ أو إلى القرينة المخفيّة ، فحينئذ يحكم بمقتضى أصالة الحقيقة المفروغ عن حجيّتها بناء العقلاء بأنّ هذا اللفظ موضوع للمعنى الأعمّ وأنّ استناد فهم المخاطب إلى نفس اللفظ.
فإن قلت : إنّ القدر المتيقّن من حجيّة هذا الأصل والمسلّم من بناء العقلاء على العمل به إنّما هو في صورة الشكّ في المراد بمعنى أنّه لو علم أنّ لفظ الأسد مثلا حقيقة في الحيوان المفترس ومجازا في الرجل الشجاع وشكّ في أنّ مراد المتكلّم هو الأوّل أو الثاني بالقرينة المخفيّة فحينئذ يحكم بمقتضى هذا الأصل بأنّ المراد هو الأوّل ، وأمّا في صورة الشكّ في الوضع والعلم بالمراد فلا يصحّ التمسّك به ، وبالجملة أنّ هذا الأصل حجّة في الشبهة المراديّة لا في الشبهة الوضعيّة.
قلت : قد استعمل شيخنا العلّامة قدسسره نظير هذا حيث ذكر ما حاصله أنّه لو ورد أكرم العلماء وعلم من الخارج بأنّ زيدا لا يجب إكرامه ، سواء كان عالما أو جاهلا وشكّ في أنّه عالم حتّى يكون العالم المذكور مخصّصا ، أو ليس بعالم حتّى لا