إلى نفس الفعل ، فيكون الأمر الثاني داعيا إلى الداعي نظير أمر الشارع بإطاعة الوالدين ، فالفعل بدعوة أمرهما يكون بدعوة أمر الشارع بحيث لو لا أمر الشارع لم يكن أمرهما داعيا.
فهذه ثلاثة أوجه لعدم إمكان الأمر مولويّا بمتابعة القطع والنهي مولويّا عن مخالفته ، وقد عرفت الجواب عن جميعها.
وقصارى ما يمكن أن يقال في تقريب عدم الإمكان : إنّ الأمر المولوي حاله حال الإرادة الفاعليّة ومن سنخها بحيث يصح نسبة الإيجاد إلى نفس الأمر بنوع من العناية والاعتبار ؛ فإنّه بإرادته المولويّة الآمريّة محرّك عضلات عبده التي هي العضلات التنزيليّة لنفسه نحو الفعل ، فالآمر هو المريد وهو الموجود ببدنه التنزيلي والفاعل يريد ويوجد ببدنه التحقيقي ، فكما أنّ إرادة الفاعل علّة تامّة وسبب مستقلّ للمتعلّق والمراد بحيث لا يشركه في التأثير شريك فكذا إرادة الآمر أيضا لا أقلّ من أنّه لا بدّ وأن يكون قابلا وصالحا لأن يكون سببا مستقلا لتحريك نفس العبد بحيث لم ينضمّ إليها في هذا التحريك والدعوة ضميمة وإن كان فعلا مؤثّرا مع الضميمة وداعيا مع الشركة ، كما هو الحال في الأوامر المتعدّدة بشيء واحد للتأكيد إذا فرض عدم تأثّر نفس المأمور إلّا من المجموع بوصف الاجتماع ؛ فإنّ كلّ واحد منها يصلح للدعوة بالاستقلال وبدون الضميمة كما لو كان منفردا والعبد ذليل النفس منقادا ، كما لو كان فعلا غير مؤثّر أصلا ولو مع الشركة كما لو كان العبد طاغيا متمرّدا.
وبعبارة اخرى الإرادة الآمريّة بشيء لا بدّ وأن يكون الآمر بإرادته إيّاها موجدا بالعناية لهذا الشيء لو كان الفاعل قابلا ، فمقدّمة الإيجاد بالعناية من ناحية المولى تامّة ، وهذا المعنى في الإطاعة غير ممكن ؛ لأنّ الإرادة فيها إمّا غير مؤثّرة أصلا وإمّا مؤثّرة مع الضميمة ، فلا يصلح أن يكون إرادتها مولويّا إيجادا بالعناية مستقلا أبدا ، ووجه ذلك أنّ الأمر بالإطاعة لا بدّ وأن يكون مسبوقا بالأمر بنفس الفعل ، ضرورة أنّ قبله لا يكون في البين عنوان الإطاعة حتّى يجعل متعلّقا للأمر ، بل تحقّقه فرع وجود الأمر بذات العمل واطلاع العبد عليه والتفاته إليه.