يصدر منه الإرادة أعني القسم الثاني منها بسبق إرادة اخرى عليها ، لكن يكفي في كون وجود هذه الإرادة وعدمها تحت قدرته واختياره كون وجودها منوطا بمطلوبيّة ما فيها من المضرّة لمصلحة المتعلّق ، وكون إيجاد المانع عن وجوده وهو إيجاد إرادة الضدّ قبل وجودها مقدورا له ، فيصحّ عقوبته على نفس هذه الإرادة ، كما يصحّ على ترك إيجاد الإرادة المانعة.
وبالجملة فكما تكون الاختياريّة المصحّحة للتكليف في الأفعال الخارجيّة حاصلة تارة بالصدور عن الإرادة واخرى بمقدوريّة مقدّمة وجودها أو عدمها في الخارج ، فكذا هذان القسمان موجودان في الإرادة أيضا بلا فرق ، هذا وصاحب الكفاية قدسسره مع قوله بكون العزم غير اختياري صحّح العقوبة عليه معلّلا بأنّه راجع إلى جناية النفس وهي أمر ذاتي والذاتي لا يعلّل ، فالقادم على المعصية خبيث النفس ، وخبيث النفس يدخل النار كما أنّ الكلب يمنع من الدخول في البيت المفروش لقذارته الذاتيّة ، ونحن في فسحة من ذلك حيث جعلنا العزم اختياريّا.
فإن قلت : سلّمنا كون العزم على المعصية اختياريّا وقبيحا ، لكن ذلك إنّما يوجب القبح الفاعلي عقلا واستحقاقه اللوم عن العقلاء ، ولا يلازم استحقاق العقوبة من المولى كما هو المدّعى ؛ فإنّ مجرّد القبح العقلي ما لم ينته إلى الشرعي لا يوجب العقاب ، ولهذا قيل بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع من باب قاعدة اللطف ؛ فإنّ القبيح العقلي لا يكون نفوس النوع منصرفة عنه ، فاللطف يقتضي بأن يأمر الشارع بالحسن وينهى عن القبح حتى يصير النوع مع الداعي ؛ فإنّ مخالفة الأمر والنهي يكون من تبعتها العقاب والعذاب ، فبعض النفوس يصير داعيها إلى الترك مجرّد القبح العقلي ، وبعض النفوس لا يحصل الداعي لها إلّا بالأمر والنهي حتّى يدعوه خوف وقوعه في العذاب والنكال.
فلو كان مجرّد القبح العقلي مورثا للعقاب المولوي لم يصح إثبات الملازمة بقاعدة اللطف ؛ إذ كان مجرّد القبح عقلا كافيا في ردع النوع ولم يحتج إلى الأمر والنهي مضافا إليه ؛ إذ لم يكن فيهما لطف على هذا التقدير.