وأمّا الكلام في دلالته وعدم الدلالة فالظاهر العدم ، وذلك لأنّ دليل البراءة ممّا سوى حديث الرفع بين ما يكون أجنبيّا عن الباب وبين ما يناسبه ، ولا يشمل المقام إمّا للانصراف أو لعدم كونه مورده ؛ فإنّه دليلان : أحدهما :
قوله عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال» ؛ فإنّه إمّا متعرّض لحكم الشبهة المحصورة فيكون أجنبيّا عن الشبهة في شيء واحد بالمرّة ، وإمّا أنّ معناه : كلّ شيء فيه احتمال الحليّة واحتمال الحرمة ، فيرتبط بالشبهة في الشيء الواحد ولكن أجنبيّ عن خصوص المقام ؛ فإنّ الشبهة فيه بين الوجوب والحرمة دون الحليّة والحرمة.
وثانيهما قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» فإمّا أن يقال : إنّه متعرّض لحال الأشياء قبل ورود الشرع عليها الذي هو موضوع بحث الحظر والإباحة العقليين فلا يرتبط بالمقام ؛ لفرض كونه ممّا ورد فيه الشرع ، غاية الأمر لا يعلم بأنّ التشريع الموجود هو الإيجاب أو التحريم ، وإمّا أن يقال : إنّ معنى «يرد» يبلغ ، فيشمل الشبهة الحاصلة بعد ورود الشرع أيضا ، لكنّه منصرف إلى غير المقام ؛ إذا الظاهر منه صورة كون الشبهة في التحريم والإباحة.
وبعبارة اخرى : ما إذا كان أحد طرفي الاحتمال التقييد بقيد التكليف والآخر اللاتقييد والإطلاق ، فحكم فيه بأنّه مطلق حتّى يعلم تقييده الذي يحتمل أعني التحريم ، فلا يشمل ما إذا كان أصل وجود التقييد وعدم الإطلاق معلوما وشكّ في كون التقييد أمرا أو نهيا.
وأمّا حديث الرفع فمورده المنّة ، ففي ما إذا كان هناك احتمال الحرمة والإباحة فمعنى منّة الشارع أنّه لم يجعل الاحتياط على العباد مع أنّه كان له جعله حفظا للأحكام الشرعيّة ، لكن ما جعله منّة عليهم ، فيكون الرفع بمعنى الدفع.
وأمّا في ما إذا كانت الشبهة في الحرمة والوجوب فإن كانت واقعة شخصيّة لا يمكن فيها المخالفة القطعيّة ولو تدريجا ، فلا يعقل معنى لجعل الإباحة فيها لطفا ومنّة ؛ إذ لم يكن للشارع أن يجعل الاحتياط حتّى يتحقّق بعدم جعله لطف ومنّة ؛ إذ