الموافقة القطعية يكون في كليهما على نحو العليّة التامّة بحيث لا يمكن الترخيص من الشرع في شيء منهما؟ أو أنّ اقتضائه في كليهما يكون على نحو الاقتضاء ، بمعنى أنّ العقل لو خلّي وطبعه يحكم بالقبح ، وللشارع أن يرخصّ من حيث الشارعيّة في المخالفة القطعيّة ، فحكم العقل بالمنع إنّما هو لو لا حكم الشرع بالجواز ، أو هنا تفصيل ، فبالنسبة إلى المخالفة القطعيّة يكون على نحو العليّة التامّة ، وبالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة يكون على نحو الاقتضاء ولو لا حكم الشرع.
وبعبارة ثالثة : هل العلم الإجمالي كالتفصيلي ليس للشارع التصرّف فيه لا نفيا ولا إثباتا بوجه من الوجوه ، أو أنّه يكون له التصرّف فيه نفيا من حيث المخالفة الاحتماليّة دون القطعيّة ، أو له ذلك في كليهما؟
فنقول : أمّا المخالفة القطعيّة فقد يقال بأنّه لو رخّص الشارع في جميع الأطراف يلزم التناقض بين هذا الترخيص وبين الحكم الواقعى المعلوم إجمالا ، فمن يعلم بأنّ أحد الإنائين خمر لو جوّز له الشرع شرب كليهما كان راجعا إلى تجويز شرب الخمر وهو مخالف لقوله : لا تشرب الخمر ، وهذا مدفوع ؛ لعدم التناقض ، لما يأتى في وجه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ، فإنّ جعل الترخيص هنا يكون في موضوع الشكّ لثبوته في كلّ من الطرفين بالخصوص.
وحينئذ فإمّا نختار مذاق من يقول للحكم بمراتب ، ونقول : إنّ قوله : لا تشرب الخمر وإن كان ظاهرا في الفعليّة ولكن بعد ما ورد الترخيص في كلا الطرفين يستكشف ـ قضيّة للجمع بينهما ـ منه كون ذاك حكما غير فعلي من حيث الشكّ ، وكون هذا حكما فعليّا من جميع الحيثيّات ، والمخالفة القطعيّة للحكم الفعلي وإن كانت قبيحة بحيث لا يمكن أن يجوّزها الشرع ، ولكن هذا ليس مخالفة للحكم الفعلي.
وإمّا نختار مذاق من يقول بأنّ الحكم والأمر والنهي لا يعقل له إلّا مرتبة واحدة ؛ لأنّه إمّا موجود فيكون فعليّا ، وإمّا معدوم فلا يعقل أن يكون موجودا وغير فعلي. فنقول : وإن كان كلّ من «لا تشرب الخمر» والترخيص في الأطراف حكما فعليّا ، ولكن مع ذلك لا تناقض ، لكون رتبتهما مختلفة ، فإن الثاني في طول الأوّل ، فعلم أنّه