هذا على المختار من كون الألفاظ الإنشائيّة كاشفة عن معانيها ، وأمّا على القول بكونها مولّدة لها فالاستعمال المذكور مولّد للوضع فلا تحقّق للوضع حينه ، فيتمّ ما ذكرهقدسسره.
ثمّ إنّ في الكفاية أيضا ما معناه أنّه على تقدير عدم كون هذه المعاني مستحدثة في شرعنا وثبوتها في الشرائع السابقة كما هو قضيّة قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
وقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) فالفاظها حقايق لغوية لا شرعيّة ولا يضرّ اختلافها في الكيفيّات بحسب الشرائع ؛ لكونه اختلافا في المصاديق لا في الماهيّات ، نظير اختلاف الصلاة بحسب الحالات في شرعنا.
وأنت خبير بأنّ الآيات وإن كانت تدلّ على ثبوت هذه الحقائق في الشرائع السابقة ، لكنّها لا تدلّ على كون هذه الألفاظ الخاصّة أسماء لها في تلك الأزمنة بلسان العرب ؛ فإنّها حكاية معان بألفاظ دالّة على تلك المعاني في عرف المخاطب بهذا الكلام ، فلا تدلّ على كونها دالّة على تلك المعاني في العرف السابق وهذا واضح ، نعم الثابت على هذا أنّه كانت لهذه الحقائق في تلك الأزمنة ألفاظ يعبّرون بها عنها ، وأمّا أنّها كانت مجازات أو حقائق ، وأنّها كانت هذه الألفاظ الخاصة أو غيرها فليس بمعلوم.
فمن الممكن أن كان لها ألفاظ آخر ثمّ صارت في زمان الجاهليّة مهجورة فيه ، فهذا لا ينفع في نفي الحقيقة الشرعيّة وإثبات الحقيقة اللغويّة ، وإنّما ينفع في ردّ من جزم بثبوت الحقيقة الشرعيّة.
ثمّ لا يخفى أنّه لا يمكن الجزم بثبوت الحقيقة الشرعيّة ولا بعدمه ، بل يحتمل أن يكون هذه الألفاظ حقائق لغوية أو شرعيّة إمّا بالوضع الاستعمالي أو التعييني أو مجازات شرعيّة وحقائق متشرّعة.
وتظهر ثمرة الثبوت وعدمه فيما إذ اوردت هذه الألفاظ في كلام الشارع مجرّدة