فإن قلنا بأنّ الواحد التخييرى ليس مستفادا من الدليل ، بل ظاهره الأشياء المعيّنة يبقى عدم الشمول رأسا ، إلّا أن يتمسّك في إثبات التخيير بالإطلاق بأن يقال : إنّ الدليل لو لا حكم العقل كان باطلاقه دالّا على ترخيص هذا الطرف ، سواء أتى بالطرف الآخر أو لم يؤت به ، وكذلك كان شاملا لذاك الطرف أيضا سواء أتى بهذا أم لا ، فحكم العقل قد أوجب تقييد هذين الإطلاقين ، فقيّد إطلاقه في كلّ منهما بحال عدم إتيان الآخر ، فيلزم ثبوت التقييد في مدلول الرواية بالنسبة إلى الشبهة المقرونة بالعلم دون البدوية.
وقد يقال : إنّه استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد ، وتنقيح المطلب والتكلّم فيه أزيد من هذا يطلب في بحث أصالة البراءة إن شاء الله تعالى.
الأمر الخامس : على تقدير القول بأنّ العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعيّة ، فهل يكتفى في مقام الامتثال بالإتيان على وجه الإجمال مع التمكّن من تعيين مورد التكليف تفصيلا ، كمن علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة وهو يتمكّن من تعيين أنّ أيّهما هو الواجب عليه بالاستفتاء من العالم مثلا ومع ذلك أتى بها بدون تعيين ، وكمن اشتبه عليه القبلة بين أربع جهات ، فصلّى إليها مع إمكان تشخيص القبلة في إحداها.
والكلام يقع تارة في التوصّليات واخرى في التعبّديات.
أمّا التوصّليات فلا كلام في الاكتفاء بهذا النحو من الامتثال فيها ، فمن يعلم إجمالا باشتغال ذمّته لأحد رجلين فأدّى إليهما كان بريئا بلا إشكال.
وأمّا التعبديّات فإمّا يكون مورد الشبهة فيها عملا واحدا ويدور أمره بين الوجوب والإباحة وإمّا يكون عملا واحدا ويدور بين الوجوب والاستحباب ، وإمّا يكون عملا واحدا معلوم الوجوب ويدور أمره بين الأقلّ والأكثر ، ثمّ أمر الزيادة المشكوكة إمّا دار بين الوجوب والإباحة وإمّا ، بين الوجوب والاستحباب.
وإمّا يكون مورد الشبهة عملين ، فالاحتياط في القسم الأخير مستلزم للتكرار دون ما سبقه ، فإن قلنا بأنّه يعتبر في الامتثال الإتيان بداعويّة الأمر ففي ما يكون