الأمر دائرا بين الوجوب والإباحة لم يحصل الامتثال ؛ لأنّ نفس الأمر لم يصر داعيا ، بل احتماله.
وإن اعتبرنا مع ذلك أن يكون وجه الأمر معلوما عند الفاعل من الوجوب أو الندب ويقصده إمّا وصفا وإمّا غاية وإمّا معا على الخلاف ، بأن يأتى بالفعل الفلاني الواجب لوجوبه ، ففي ما يكون الأمر دائرا بين الوجوب والاستحباب لم يحصل الامتثال ؛ لأنّه وإن كان داعي الأمر فيه متمشّيا ، إلّا أنّ قصد الوجه لعدم معلوميّته غير متمشّ.
وإن اعتبرنا مع ذلك قصد التمييز بأن يكون الفعل المأمور به حين الإتيان مميّزا عن غيره ففي ما يدور الواجب بين عملين لم يحصل الامتثال ؛ فإنّه وإن كان يشتمل على قصد الأمر وعلى قصد وجهه ، لوضوح إمكان أن يأتي بالعملين بداعي الواجب الذي في البين بوصف وجوبه ولعلّة وجوبه ، لكنّ التمييز حين الإتيان مفقود.
فنقول : مقتضى القاعدة جواز الاكتفاء بهذا النحو من الامتثال ، فعلى من يدّعي العدم إثبات المانع إمّا من العقل أو النقل.
أمّا من جهة العقل فربّما يقال : إنّ العبادة ما يعتبر فيه وقوعه من المكلّف بحيث صار مقرّبا له ، وهذا ممّا إشكال فيه ، بخلاف التوصّلي ، فإنّه يجزى ويسقط أمره وإن لم يقع على وجه مقرّب ، وكلّ عبادة ولو صدرت من الفاسق لا محالة تكون مقرّبة ، فإنّا لا نعني بمقرّبيته أن يصير العبد ذا منزلة عظيمة عند المولى ويصل مرتبه الجبرئيل ، بل المقصود أن يكون فاعل الفعل غير مساو مع تاركه ، وهذا له مراتب مختلفة لا تحصى ، ولا يلازم القبول الذي هو بمعنى خرق الحجب.
فعبادة شارب الخمر وإن كان يمنع شربه عن خرقها الحجب ولكنّه غير مساو مع من يترك هذه العبادة ، فالفعل المأمور به ما لم يكن بداعوية الأمر ، أو كان معها وتجرّد عن قصد الوجه أو اشتمل عليهما وتجرّد عن قصد التمييز لا يصير مقرّبا للفاعل ؛ ولهذا قيل : إنّ من علم بوجوب أمر عليه بين عدّة امور وأتى بجميعها كان مستهزئا بأمر المولى وعابثا ، وكذلك من لم يعلم بالأمر وأتى برجائه أو لم يعلم