وبالجملة ، فالشكّ واقع في مرحلة السقوط بعد معلوميّة ثبوت الأمر ، ومن المعلوم أنّه مع ذلك لا مجرى للبراءة ، بل الحقيق هو الاحتياط. هذا غاية تقريب الدعوى.
وأنت خبير بأنّ مبنى عدم الجريان في كلا الأصلين هو امتناع التقييد بهذه القيود ، وحيث انجرّ الكلام إلى هنا ينبغي التكلّم في مقامين وإن تقدّم البحث عنهما في صدر الكتاب عند تقسيم الواجب إلى التعبّدي والتوصّلي :
الأوّل : في امتناع هذا التقييد وإمكانه بحسب مقام الثبوت ، ثمّ تصحيح الأمر العبادي على تقدير الامتناع.
والثاني : في تمهيد الأصل لحال الشكّ في أصل التعبّدية أو في هذا التقييد بعد الفراغ عن أصل التعبديّة.
أمّا المقام الأوّل : فاعلم أنّ ما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب امتناع التقييد المذكور وجوه أربعة :
الأوّل : لزوم الدور ، بيانه أنّ هذه القيود متأخّرة رتبة عن الأمر ؛ فإنّ حدوثها معلول له وبتبعه ، ولا شكّ أنّ المعلول متأخّر رتبة عن علّته ، وموضوع الشيء متقدّم رتبة على الشيء ، فيلزم من درج هذه القيود في موضوع الأمر تقدّم الشيء على النفس ؛ فإنّ الموضوع المقيّد بأحدها بما هو مقيّد به متوقّف على وجود الأمر ، ووجود الأمر أيضا متوقّف على هذا المقيّد لكونه موضوعه.
والجواب أنّ موضوع الأمر ليس هو الوجود الخارجي للمقيّد ، بل هو الوجود التصوّري له ، وإلّا يلزم طلب الحاصل ، والإتيان بالفعل بداعي الأمر بحسب الخارج متوقّف على وجود الأمر ، وأمّا بحسب التصوّر فلا ؛ لوضوح إمكان أن يتصوّر الآمر قبل إنشاء الأمر نفس الفعل والأمر وتقييد الأوّل بالثاني ، ثمّ يجعل هذا المفهوم المقيّد محلا لإنشاء الأمر ، فما يتوقّف عليه الأمر تصوّر الموضوع ، وما يتوقّف على الأمر خارج الموضوع ، فاختلف الطرفان ، فأحدهما الوجود التصوّري ، والآخر الوجود الخارجي.