والثاني : لزوم الدور بوجه آخر ، وبيانه : أنّ الأمر يتوقّف على قدرة المأمور على متعلّقه ؛ لوضوح استحالة الأمر بغير المقدور من الحكيم ، والقدرة على الفعل المقيّد بهذه القيود متوقّفة أيضا على الأمر ، فإنّ المكلّف لا يتمكّن من الإتيان بالفعل في الخارج بهذه القيود إلّا بعد الأمر.
والجواب : أنّ توقّف القدرة على الأمر مسلّم ، ولا نسلّم توقّف الأمر على القدرة السابقة على الأمر ؛ فإنّ الممتنع عقلا هو اجتماع الأمر وعجز المكلّف في زمان الامتثال ، وأمّا لو فرض تمكّنه حين الامتثال فلا امتناع وإن كان التمكّن جائيّا بالأمر ومتحقّقا من قبله لا قبله.
والثالث : أنّ التكليف بالمقيّد بهذه القيود تكليف بغير المقدور ، ولا يحصل القدرة على متعلّقه حتى بعد الأمر ؛ فإن القيد هو داعي الأمر المتعلّق بذات الفعل ، والقدرة عليه متوقّفة على الأمر بذاته ، ولا يكفي الأمر بالمقيّد منه بداعي أمره ؛ فإنّ الأمر بالمقيّد ليس أمرا بالمطلق.
لا يقال : كيف لا يكون أمرا بالمطلق وهو جزء للمقيّد ، والأمر المتعلّق بالكلّ متعلّق بكلّ واحد من أجزائه نفسيّا باعتبار تحقّقه في ضمن الكلّ ، ومقدّميّا باعتبار نفسه مستقلا.
فإنّه يقال : نعم ، المطلق جزء للمقيّد ، لكنّه جزء عقلي وليس بخارجي بمعنى أنّه ليس للقيد والذات في الخارج وجودان منحازان ، بل هما موجودان فيه بوجود واحد ، والمطلوبيّة المقدّمية إنّما يصحّ في الجزء الخارجي ، فلا يصحّ أن يقال في «أعتق رقبة مؤمنة» : إنّ مطلق الرقبة مطلوب من باب المقدّمة بعد فرض أنّ في الخارج ليس إلّا وجود واحد له ولقيده ، وكذا الكلام في المطلوبيّة النفسيّة ؛ فإنّها متعلّقه بالوجود في الخارج فهي إنّما تسري من الكلّ إلى الجزء الخارجي الموجود بوجود على حدة باعتبار تحقّقه في ضمن الكلّ.
والجواب أنّ المطلق وإن كان لا يسري إليه الأمر من المقيّد ، ولكنّ المقسم بينهما لا نسلّم فيه ذلك ، فكما أنّ الوجود يسري من المقيّد إليه ، فإذا وجد زيد يصحّ