نسبة الوجود حقيقة إلى الإنسان ، فكذلك الوجوب ، ولهذا نقول في توجيه البراءة في دوران الواجب بين المطلق والمقيّد أنّ المتيقّن وجوب الأقلّ ، والزائد وجوبه غير معلوم ؛ فإنّ المراد بالمتيقّن الوجوب لا يكون هو المطلق ، كيف وهو طرف الترديد ، فلا بدّ أن يكون هو الجامع بينهما ، ولو لا سراية الوجوب من المقيّد إلى الجامع لما صحّ ذلك.
فإن قلت : هذه الإرادة المتعلّقة بالجامع غير قابل للامتثال ولا يدعو نحو متعلّقه ؛ فإنّها إرادة عرضيّة ولا يدعو إلّا نحو المطلوب الأصلي أعني المقيّد ، ألا ترى أنّه لو كان المراد الأصلي عتق الرقبة المؤمنة فلا توجب الإرادة العرضيّة المتعلّقة بالرقبة المهملة تحريك المكلّف نحو المهملة في ضمن رقبة كافرة ، فإتيانها غير مثمر للدعوى : فإنّها متوقّفة على أمر بذات الفعل صالح للدعوة إلى الذات.
قلت هذا إنّما هو في ما إذا لزم من الدعوة نحو المهملة المجرّدة عن القيد وجود قيد آخر مباين لما اخذ في متعلّق الأمر كما في المثال ، حيث يلزم من الدعوة نحو عتق الرقبة المجرّدة عن وصف الإيمان تحقّق الكفر المباين له ؛ فإنّه حينئذ لا يدعو إلى المهملة في غير هذا القيد ، لكون المطلوب ناقصا وغير حاصل بتمام أجزائه ، وأمّا لو فرض أنّه لو دعا نحو المهملة يتمّ المطلوب بقيده قهرا ، فلا مانع من داعويته ، ففي المقام المفروض تعلّق الأمر فيه بالفعل بداعي الأمر لو أتى بالفعل بداعي الأمر العرضي المتعلّق به كان هو عين المطلوب ؛ فإنّ القيد قد حصل بنفس الدعوة نحو المهملة.
والرابع : وهو الوجه الذي لا مدفع له أنّ من شأن الأمر المولوي وإن كان توصليّا أن يكون صالحا للدعوة نحو متعلّقه ؛ فإنّ الغرض منه صيرورته داعيا للعبد نحو المطلوب لو لم يكن في نفسه داع آخر ، فإن كان المطلوب مقيّدا لا بدّ أن يكون صالحا للتحريك نحو كلّ من الذات وقيدها ، والأمر المتعلّق بالفعل مقيّدا بداعي الأمر لا يمكن أن يصير داعيا إلى القيد ؛ فإنّه عبارة عن داعويّة نفسه ، ويمتنع أن يصير الأمر داعيا إلى داعوية نفسه نظير صيرورة العلّة علّة لعليّة نفسها.
وإذ قد تبيّن امتناع التقييد المذكور فلا بدّ من تصوير الأمر العبادي لمعلوميّة وقوعه في الشريعة المطهّرة كثيرا ، فنقول : يمكن تصويره بأحد وجوه أربعة :