أنّه لو كانا معتبرين للزم التعرّض في واحد من هذه الأخبار ـ أنّه لم يكن في باب التطهير تعبّد زائد على القدر المعتبر عند العرف ، وهو صبّ الماء إلى أن يزول العين ، فعدم تقييد كلّ منها منفردا وإن لم يكن كافيا في الإطلاق ولكن عدم تقييد الكلّ كاف في ثبوته ، بل ربّما يحصل من ذلك اليقين بعدم الاعتبار.
وكذلك الكلام في ما نحن فيه ، فإنّ ملاحظة ابتلاء العامة بالصلاة في كلّ يوم وبالصوم في السنة وبغيرهما من العبادات ، وملاحظة أنّ قيد داعي الأمر بمعنى عدم كفاية داعي احتماله ، وكذلك داعي الوجه والتميز ممّا يغفل عنه عوام الناس ولا يلتفتون إليه قطعا ، وابداء احتماله نشأ من المتكلّمين ، وملاحظة خلوّ جميع ما ورد من الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في باب العبادات عن ذكره والتعرّض له ، يكفي في إثبات إطلاق الغرض وإن لم يمكن إثبات إطلاقه من كلام واحد ، بل ربّما يحصل من ذلك القطع بعدم الاعتبار ، فإنّ الشارع الذي لم يدع الأحكام الجزئيّة كأحكام التخلية إلّا بيّنها ولم يهملها ، كيف يهمل مثل هذا الأمر الذي يكون من المهميّة بمكان ويجعله في سترة الخفاء.
وأمّا قوله تعالى : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فليس المراد بالإخلاص فيها إلّا فعل العبادة ممحّضا لله في مقابل جعلها للصنم والنفس والشيطان ، فهو نهي عن عبادة هذه وأمر بعبادته تعالى ، وأمّا أنّ عبادته على أيّ نحو هي يعتبر فيها داعي الأمر أو الوجه أو التمييز فلا تعرّض في الآية له.
فتبيّن أنّ أصالة الإطلاق الاصطلاحي أعنى ما كان جاريا في كلام واحد وإن لم يمكن هنا ، لكن أصالة الإطلاق ، بل القطع يمكن اصطيادهما من تضاعيف الكلمات المتكثّرة الخالية عن ذكر القيد ، ولو سلّمنا عدم كفاية هذا الإطلاق وبقاء الشكّ في الاعتبار معه بحاله نقول : ما الفرق بين هذا القيد المجهول والقيد المجهول في سائر المقامات في ملاك قبح العقاب بلا بيان ، حيث إنّه في سائر المقامات لو عاقب عليه المولى عاقب على أمر مجهول لم ينبّه عليه ولم يتمّ الحجّة عليه ، ولكن لم يلزم ذلك لو عاقبنا على هذا القيد المجهول.