القرينة وعدمها قرينة وأمارة على العدم ، وكذلك كلّما دار الأمر بين إمكان شيء وامتناعه يجعلون عدم وجدان المانع عنه دليلا على الإمكان.
ولعلّ نظره قدسسره إلى القضيّة المحكيّة عن الشيخ الرئيس : كلّ ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يمنعك عنه قائم البرهان ، بناء على أن يكون الإمكان في كلامه بمعنى الإمكان الوقوعي وتكون إشارة إلى الأصل المذكور.
أقول : أمّا دعوى القطع الوجداني الذي منشائه الوجدان كما هو ظاهر المعروف (١) فإنّما يصحّ ممّن يقطع بعدم لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال من التعبّد بالأمارة ، ويقطع أيضا بعدم لزوم الإلقاء في المفسدة وتفويت المصلحة ، وذلك لا يحصل إلّا مع القطع بإصابة جميع الأمارات للواقع ؛ فإنّه حينئذ يقطع بعدم لزوم شيء من المحذورات ، وأمّا اجتماع المثلين فهو غير لازم ؛ لإمكان الحمل على التأكّد ، ومن الواضح أنّ هذا القطع غير متمشّ في حقّنا ، وهذا هو مراد شيخنا قدسسره.
وأمّا ما ذكره من جعل الحكم بالإمكان أصلا عقلائيا عند الدوران بين الإمكان والامتناع وعدم وجدان المانع في عقولنا فغير مسلّم (٢) ولم يثبت هذا الأصل ، و
__________________
(١) فإنّه على مذهب من يقول بالتوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي يجعل الواقعي شأنيّا والظاهري فعليّا يمكن له القطع بعد الاطلاع على الدليل على الحكم الظاهري ، أمّا قبل الاطلاع لا يمكن له هذه الدعوى ؛ لأنّه لا يدري لعلّ الأحكام الواقعيّة كانت فعليّة ، وعلى هذا التقدير يعترف بالاستحالة ، فكيف يصحّ له دعوى القطع بعدمها بقول مطلق؟. وكذلك على قول من يذهب إلى الجمع بنحو الترتّب بضميمة أخذ حال التجرّد عن الشكّ في موضوع الواقعي على سبيل الحاليّة لا القيديّة كما في التجريد في موضوع الكليّة ؛ فإنّه يمكن له بعد الظفر على الدليل أن يستكشف على طريق الإنّ من دخل التجرّد على النحو المذكور ، ولكن قبل ذلك يحتمل عدم ذلك ، ومعه يبقى محذور المناقضة والمضادّة بحالهما ، فلا يمكن له أيضا دعوى القطع بعدمه لا محالة.
(٢) وقد يقال : إنّه غير معقول ؛ لأنّه بعد مساواة طرفي الإمكان والاستحالة في النظر فترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجّح ، وفيه : أنّه معقول وإلّا فكيف تعقّلتم من ـ