القضيّة المحكيّة عن الشيخ الرئيس إن كان ناظرا إلى ذلك فلا نسلّمها ، ويحتمل أن يكون الامكان فيها بمعنى الاحتمال ، وعلى هذا فليست قاعدة علميّة ، بل وصيّة للطلاب بعدم المبادرة إلى الحكم بعدم المعقوليّة بمجرّد سماع شيء من الغرائب ، بل إبقائه على احتمال الإمكان والامتناع ما لم يقم على امتناعه البرهان.
وكيف كان فالتعبّد بالأمارة يبقى على احتمال الإمكان والامتناع من دون أن يكون هنا أصل عقلائي على إمكانه ، نعم ليس على امتناعه أيضا دليل.
وحينئذ يجوز لنا بمجرّد عدم القطع بالامتناع واحتمال الإمكان وإن لم يكن الأصل معاضدا لنا أن نأخذ بظاهر دلّ على وقوع التعبّد بالأمارة كظاهر آية النبأ ؛ إذ لا وجه لطرحه أو تأويله ، وحينئذ يتبدّل احتمال الامتناع بالجزم بالإمكان.
نعم يعتبر أن يكون هذا الدليل الدالّ على التعبّد قطعيّا وإن كان ظاهرا ثبت حجيّته بدليل قطعي ، فإنّه لو لم يكن قطعيّا لم يحصل لنا القطع بالإمكان ، وأمّا لو كان قطعيّا كما لو قطعنا بأنّ ظاهر آية النبأ حجّة ، فنقطع بوقوع التعبّد بخبر العادل ، ومن هنا نكشف إمكانه ونقطع بعدم جميع المحاذير واقعا ، وهذا ثمرة عدم القطع بالامتناع.
وأمّا من يقطع به كابن قبة فهو لم يجز له الأخذ بهذا الظاهر ، كيف وهو قاطع بخلافه ، فلا بدّ له من التأويل أو الطرح والقول بعدم حجيّة هذا الظاهر.
ومحصّل الكلام أنّه بعد الاحتمال والترديد وعدم القطع بشيء من الطرفين لا يخلو الحال إمّا أن يكون في البين دليل قطعيّ على التعبّد بالأمارة من الشرع ، وإمّا أن لا يكون ، فعلى الأوّل يكشف بهذا الدليل عن الإمكان ويقطع بعدم شيء من المحاذير بقضيّة حكمة الشارع ، وعلى الثاني فلا ثمرة عمليّة في البحث عن الإمكان والامتناع.
__________________
ـ العقلاء الحكم بعدم القرينة عند احتمال وجودها وعدمها؟ والحلّ : أنّه يمكن أن يكون غلبة عدم القرينة في نظرهم طريقا إلى العدم ، وفي مقامنا غلبة الممكنات طريقا إلى الإمكان فالأولى القول بأنّه غير مسلّم.