وكيف كان فقد استدلّ ابن قبة على امتناع التعبّد بخبر الواحد بوجهين ، الأوّل : أنّه لو جاز التعبّد بالإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله لجاز بالإخبار عن الله سبحانه ، والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله ، وسند الملازمة هو القاعدة المسلّمة من أنّ حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد ، والإخبار عن النبي والإخبار عن الله مثلان (١) ؛ فإنّ الإخبار عن النبي أيضا إخبار عن الله ، غاية الأمر مع وساطة النبي ، ولا ملازمة بين الإخبار عن الله والنبوّة ، فإنّها إنّما كانت لو لم يكن له طريق غير الوحي وليس كذلك ؛ إذ يمكن أن يكون بطريق الإلهام والمكاشفة ، فلو كان التعبّد بالإخبار عن النبي ممكنا لكان بالإخبار عن الله أيضا ممكنا كأن يقول الشارع : متى أخبركم الزهراء سلام الله عليها أو السلمان أو غيرهما بحكم عن الله تعالى فعليكم بقبول قوله والعمل على طبقه ، ولكنّ الثاني غير جائز فكذا الأوّل بقضيّته المماثلة.
والجواب : أنّا نسلّم كونهما مثلين ، ولكن قضيّة المماثلة ليست إلّا اتّحادهما بحسب الحكم في ما يجوز وفي ما لا يجوز ، لا في ما وقع وفي ما لم يقع ، ونحن نقول بمساواة الاخبارين في الإمكان ، والاجماع لم يقم في الإخبار عن الله إلّا على عدم الوقوع لا على عدم الإمكان ، فهما بعد اتّحادهما في إمكان التعبّد افترقا في أنّ التعبّد بالإخبار عن النبي واقع وعن الله غير واقع بدليل الإجماع.
والثاني : أنّ التعبّد بخبر الواحد لو جاز لزم تحليل الحرام وتحريم الحلال ، أقول : وهذا بعض المحاذير الذي يتوهّم لزومها ، وهنا محاذير أخر ، وتوضيح الجميع أنّه على ما هو الصواب من مذهب المخطئة يكون لنا أحكام واقعيّة مجعولة في حقّ جميع
__________________
(١) والمناقشة في المثليّة بأنّ أحدهما إخبار عن حسّ والآخر عن حدس ، أو أنّ في الإخبار عن الله الدواعي على الكذب متوفّرة للكشف عن علوّ الرتبة وسموّ المنزلة بخلاف الأخير ، مخدوشة ؛ فإنّ ذلك إنّما يصلح فارقا في مرحلة الوقوع لا الإمكان العقلي ؛ فإنّ شيئا من ذلك لا يمنع عن الإمكان العقلي ، منه قدسسره.