فنقول : لا إشكال ولا كلام في أنّ هذا العنوان المستحدث بسبب الحكم لا يمكن تصوّره في رتبة المتصوّر الأوّل أعني : نفس الخمر ؛ فإنّه حادث بالمبغوضيّة ، فكيف يتصوّر في حال حصول المبغوضيّة وانقداحها ، وإلّا لزم الدور التسلسل ؛ إذ كما أنّ مبغوضيّة المبغوض لا يمكن ، كذلك مبغوضيّة مشكوك المبغوضيّة ؛ فإنّ الشكّ في المبغوضيّة متأخّر عن نفس المبغوضيّة ، فإذا لم يعقل اتّصاف الشيء في حال يتعلّق به المبغوضيّة بالمبغوضيّة ، فكذلك لا يمكن اتّصافه بالشكّ في المبغوضيّة ، وهذا أيضا واضح.
فإن قلت : لا ندّعي سراية الحكم إلى هذا المتقيّد بالمشكوكيّة ، بل نقول : إنّ الحكم متعلّق بالذات ، والذات موجودة في ضمن المتقيّد بالمشكوكيّة ، فلا محالة يسري حكمها إليها.
قلت : إنّ معنى كون مقيّد تحت الإطلاق أن يتعلّق الحكم بالذات والقيد بحيث وقعا جميعا في حيّز الحكم ، وهو فرع إمكان رؤية القيد في مرتبة الحكم ، والمفروض كونه متأخّرا عنه ، فلا إشكال في أنّ الحكم الأوّلي لا يتجاوز من مرتبة الذات إلى مرتبة نفس الحكم والطواري الطارية عليه.
إنّما الكلام والإشكال في عدم إمكان الجمع بين المتصوّر الأوّلي مع الثانوي في رتبة المتصوّر الثانوي ، فربّما يقال : إنّ من يتصوّر في الرتبة الثانية الخمر المشكوك الحرمة فهو قد تصوّر نفس الخمر الذي أيضا هو متصوّرة في المرتبة الاولى ، فقد جمع بين المتصوّرين في هذه الرتبة ، والمقصود عدم إمكان جمعهما حتى في الرتبة الثانية والنظرة الثانية ، وقد اجتمعا فيها ، وهذا يكفي في وقوع الكسر والانكسار ، فتتبدّل كراهة الخمر بطروّ عنوان المشكوكيّة الخالي عن مقتضى البغض عليه في عالم التصوّر بعدم الكراهة ، وإلّا يلزم المحذورات جميعا في هذه الرتبة.
وقد يقال : إنّ جمعهما في هذه الرتبة أيضا لا يمكن ، وبيانه أنّ الخمر عند التصوّر الأوّلي كان واجدا لكيفيّة خاصّة بها صار ضيّق الدائرة ، وفي التصوّر الثانوي زالت تلك الكيفيّة عنه وتبدّلت باخرى صار معها أوسع دائرة وأكثر أفرادا ، فهذا الخمر