قلت : إنّما اخذ التجرّد من غير الشكّ المقرون بالعلم.
فإن قلت : فما وجه الجمع بين الحكم الترخيصي في الأطراف مع الواقع؟ قلت : نختار في باب العلم الإجمالى الطريق الآخر أعني : حيازة الشرع كرسي العقل وأنّه أرشد إلى ما هو الصلاح ، كما لو رخّص العقل في بعض الأطراف ، فهنا لم يدرك عقل العامّة ، لكن الشارع رآه فأرشد إليه من باب أنّه عقل ، ولا منافاة بين الحكم الصادر منه بما هو شارع ، والحكم الصادر عنه بما هو حائز لكرسي العقل.
فإن قلت : فإذا فرضنا أنّه حكم بحجيّة الطريق المؤدّى إلى خلاف التكليف الثابت واقعا فمعناه أنّ سلوك هذا الطريق مرضيّ ؛ ولا تنجيز للواقع معه ، وليس في هذا الحكم قيد الوصول إلى المكلّف ، فمن أين احدث هذا القيد؟.
قلت : حال هذا الحكم كحال الأحكام الواقعيّة ، فكما هاهنا بوجوداتها الواقعيّة لا يؤثّر ، بل بضميمة العلم ، فكذلك هنا أيضا العقل التام الكامل وإن كان حكم بالمعذوريّة ، لكن هذا حكم شأني ، وإنّما يصير فعليّا عند وصوله إلى المكلّف.
وبعبارة اخرى : العلم الإجمالي منجّز للتكليف الواقعي لو لم يقم في أحد الأطراف مؤمّن ، ووجود الحجّة العقليّة واقعا مع عدم الوصول إلى المكلّف ليس في حكم العقل مؤمّنا ، فمؤمنيّته إنّما يكون في صورة الوصول ، غاية الإشكال المتصوّر هنا بعد تسليم فعليّة الواقع مع العذر العقلي أنّ المعذريّة إن كان متعلّقا بالوجود الواقعي فلا فرق بين الوصول وعدمه ، وإن كان متعلّقا بالموضوع مع قيد الوصول يلزم الدور ، مع أنّه خلاف الواقع.
والجواب أنّه كما أنّ المنجزيّة في العلم الإجمالي يكون بنحو الاقتضاء بحيث يقبل أن يمنع عنه العذر العقلي القائم في بعض الأطراف ، كذلك المعذّرية متعلّقة هنا بالواقع ، لكنّه على نحو الاقتضاء بحيث يقبل منع المانع.
فنقول : جهل المكلّف مانع ، والعلم الإجمالي مقتض للتنجيز ، والحجّة الواقعيّة أيضا مقتض للعذر ، ولكنّ الجهل مانع عن اقتضائه ، فيكون مقتضى التنجيز سليما عن المانع.