التصوريّة الظاهرة من الألفاظ بإرادة استعماليّة وإلّا لزم نقض الغرض ، مثلا لو قال : أكرم العلماء ، وعلم أنّه يكون بصدد إفادة المطلب ، وليس التكلّم لغرض آخر وأنّه لا قرينة في البين ، وكان ملتفتا غير عاقل ، فلو كان حينئذ مريدا من هذا الكلام ضرب حجر على رأس زيد مثلا فهو ناقض للغرض ؛ فإنّ غرضه إفادة ما هو مريد له في مرحلة الاستعمال باللفظ ، فاتى بلفظ لا يفيده بل يفيد الخلاف ، ونقض الغرض لا يحتاج إلى إثبات قبحه ليتمسّك لعدمه بحكمة الشارع ، بل هو ولو فرض عدم قبحه ، بل حسنه لا يصدر من أدنى جاهل ، بل من واحد من الحيوان فضلا عن الإنسان العاقل.
فالكلام إنّما هو في صورة الشكّ في إحدى تلك المقدّمات ، كما لو شكّ في أنّه تكلّم لغرض الإفادة أو لغرض آخر ، أو شكّ بعد العلم بأنّه يتكلّم للإفادة في وجود القرينة وعدمها ، فهل هنا أصل عقلائي على الحمل على أنّه تكلّم للإفادة في المقام الأوّل ، أو أنّه أراد ظاهر اللفظ بإرادة استعماليّة في المقام الثاني ، أو ليس.
لا كلام في وجوده في المقام الأوّل ، فجرى سيرة العقلاء على حمل التكلّم على صدوره بغرض الإفادة ولو عند الشكّ ، فلو أمر المولى عبده فترك العبد الإطاعة معتذرا بأنّي لم أعرف أنّك تريد الإفادة واحتملت أنّ غرضك مجرّد إيجاد الكلام لما تقبّل هذه المعذرة عند العقلاء في رفع العقوبة عنه.
وهذا غير مقام البيان الذي قد اشتهر في باب الإطلاق أنّه لا بدّ من إحرازه من الخارج ، وإلّا يعامل مع اللفظ معاملة الإهمال ؛ فإنّ الإطلاق أمر زائد على مفاد اللفظ ، وهذا الأصل إنّما هو بالنسبة إلى ما هو مفاد اللفظ ، فمجراه في باب الإطلاق هو المهملة ، فلو جهل بأنّه تكلّم بالمطلق خاليا عن إرادة المعنى رأسا حتّى المهملة فهذا الأصل يدفعه.
وبالجملة ، فباب الشكّ من هذه الجهة مسدود بهذا الأصل العقلائي ، كما أنّ باب الغفلة في كلام الشارع غير محتمل ، وفي غيره مسدود أيضا بالأصل العقلائي ، فيمحّض منشأ الشكّ في إرادة المتكلّم استعمالا لما هو المنتقش من اللفظ بما هو عليه