من الحالات والخصوصيّات في احتمال وجود القرينة الصارفة ، بمعنى أنّه يحتمل أنّها كانت واختفت علينا ، فالكلام في هذا المقام قد انعقد لدفع هذا الشكّ.
وكذلك لا كلام في الجملة في اتّباع الظهور في المقام الثاني وعند الشكّ في وجود القرينة ، إلّا أنّ الكلام في أمرين يختلف الحال بحسبهما وهو أنّه هل اتّكالهم في ذلك على أصالة الحقيقة أو أصالة عدم القرينة.
وتوضيح الأوّل أنّ اللفظ إذا وضع لمعنى يحصل طبع (١) ، فمقتضى طبع اللفظ بعد الوضع كونه مستعملا في معناه الموضوع له ، فإنّه وضع لاجل ذلك ، فاستعماله في غير معناه خروج عن مقتضى طبع اللفظ الموضوع ، وبناء العقلاء في جميع الأشياء هو البناء على ما هو قضيّة الطبع الأوّلي للشيء إلى أن يعلم بما يكون حدوثه من جهة الطواري.
ومن هذا القبيل الحكم بحيضيّته دم المرأة المردّد بين الحيض والاستحاضة ؛ فإنّ الاستحاضة مرض بخلاف الحيض ، ومقتضى الطبع الأوّلي للمرأة صحّة المزاج ، والمرض يحدث بالعرض ، فعند الشكّ يبنى على بقائها على صحّة المزاج التي هي مقتضى طبعها الأوّلي ، فيحكم بحيضيّة دمها.
__________________
(١) يعني حصلت له بالوضع طبيعة ثانويّة في أن يقصد به تفهيم ما وضع له ، لأنّ ذلك حكمة الوضع ، فلو عومل معه ذلك كان على وفق طبعه ، وخلاف ذلك محتاج إلى دليل وإحراز ، وأمّا هو فمقتضى الأصل الأوّلى.
فإن قلت : غاية الأمر أنّ الطبع مقتض لوجود مقتضاه ، لكنّه يجامع مع المانع ، فبمجرّده لا يكفي في الحكم بتحقّق المقتضى ـ بالفتح ـ ما لم يحرز عدم المانع ، ففي المقام القرينة الصارفة مانع ومزاحم لهذا المقتضى ، فلا بدّ من إحراز عدمها.
قلت : معنى بناء العقلاء أنّهم يبنون على وفق المقتضي ويحكمون بوجود المقتضى ـ بالفتح ـ ومن المعلوم أنّ وجود المقتضى ـ بالفتح ـ لا يجامع مع وجود المانع ، فيعلم بالملازمة عدمه ، وليس هذا بضائر في الاصول اللفظيّة ؛ لأنّها أمارات ومثبتها حجّة. منه قدسسره.