الاحتجاج بأنّك : ألم تسمع مقالتي مع شريكك في التكليف ، فلم خالفت؟ وهل له الجواب بأن يقول : كان وجهة كلامك وطرف خطابك عبدك الآخر ، فلا ارتباط لذاك الخطاب بي؟
ومثال آخر أوضح : لو كان لك رفيقان ، فاتّفق اجتماعهما في بيت وأنت في بيت آخر تسمع كلامهما وتعرف شخصهما وهما غير شاعران بوجودك في البيت ، فأخذ أحدهما في غيبتك عند الآخر وذكر عيوبك له ، فإذا خلوت معه هل لك أن تقول له : أتذكر ما قلت فيّ عند فلان في المكان الفلاني وأنا كنت أسمع كلامك ولم تستشعر ، فلم قلت كذا وكذا في حقّي ، فهل له أن يجيبك معتذرا ومحتجّا بأنّي كنت اقاول مع غيرك فما ربطه بك؟ فهذا هو الكلام في السيرة في المقامات الثلاث.
وأمّا إمضاء الشرع ، فاعلم أنّ الأمر الذي صار مركوزا في أذهان العقلاء وكانوا مجبولين عليه ومفطورين وعجنوا به من أسلافهم فالعامّة لا يتفطّنون لخلافه ولا يدخل في ذهنهم غيره ولو احتمالا أو وهما (١) ، مثلا لو اتّخذ مولى خادما جديدا فلا يحتمل هذا الخادم ولا يخطر بباله أن يكون طريقة هذا المولى في المحاورة مخالفة لطريقة سائر الناس ، بل يعامل على حسب ما اجبل به من الأخذ بالظواهر من دون أن يكون خلافه محتملا له بل مشعورا به ، بل هو أمر مغفول عنه.
نعم نادر قليل وأوحديّ من الناس بواسطة كثرة توغّله في الأفكار العلميّة والتخيّلات في الدرس والبحث يقع في ذهنه احتمال أنّه يمكن عدم رضى الشارع بهذا
__________________
(١) وبهذا يجاب عن الإشكال بأنّ غاية ما في الباب عدم ثبوت الردع من الشارع ، لكنّ الإمضاء أيضا غير ثابت ، فحيث إنّ المقام مقام الشكّ في الحجيّة ، والمرتكز عند العقلاء فيه أيضا عدم معاملة الحجّة فاللازم الحكم بعدمها. وحاصل الجواب أنّ الأمر الجبلّي للناس الذي يكون مغفولا عنه للعامّة ولا ينقدح احتمال خلافه إلّا لمن استأنس ذهنه بالدقائق العلميّة ، فهذا الأمر لو كان غير مرضي الشرع لوجب عليه إظهار الردع بالتنصيص وعدم الاكتفاء فيه بالعموم والإطلاق ، وحيث ما كان يقطع برضى الشارع هذه الطريقة ، فيصير هذا برهانا للأوحدي المحتمل ، منه قدسسره.