الأمر وكونه مخطّئا لهذه الطريقة.
وحينئذ فإن كان الأمر المركوز في الأذهان العرفية غير مرضي للشرع فلا بدّ في الردع عنه من النصّ والتنصيص ، فإنّ رفع اليد عن أمر استقرّ عليه العادة من لدن أدم عليهالسلام وعجن الناس به لا يمكن إلّا بالتصريح والتنصيص ، كما هو المشاهد في باب الربا ، فترى النهي عنه على الوجه الصريح مؤكّدا بالتخويفات الاكيدة والإنذارات البليغة والإيعادات الكثيرة ، حتى ورد في درهمه وديناره ما ورد ، فكذا الردع عن كلّ أمر مرتكز غير مرضيّ لا بدّ وأن يكون بهذا النحو.
فنقول : ليس في مقامنا في قبال الطريقة الجارية والسيرة المستمرّة المرتكزة ما يتوهّم منه النهي والردع سوى الأخبار والآيات الناهية عن العمل بالظن ، وهي لا صراحة لها في شمول المقام ، بل لها الظهور ، ظهور العام في الخاص ، وهي غير صالحة للردع ؛ لأنّها لا يخلو حالها من شقّين ، إمّا أن لا يكون ظهورها حجّة ، وإمّا أن يكون ، فعلى الأوّل واضح ، وعلى الثاني يكون مقطوع التخصيص لأقوائيّة الارتكاز من ظهورها ، فيحرم العمل بالظن إلّا في باب ظهور الألفاظ ، وإذن فثبت حجيّة الظهور اللفظي عند العرف والشرع.
فإن قلت : ما المانع من أن يكون مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) رادعا ؛ إذ لا شبهة في أنّ الظواهر ممّا ليس به علم ، ويتفطّن لذلك العامّة أيضا ، فما وجه عدم إجرائهم العموم فيه؟.
قلت : نعم إنّهم يرون الظواهر مصداقا لما ليس به علم ، ولكن حكمهم بدخولها تحت عموم الحكم فرع لأن يكون حجيّة الظواهر عندهم مقيّدة بعدم ورود منع من الشارع كما في الظنّ في حال الانسداد ؛ إذ حينئذ يكون العموم كافيا في رفع اليد عن الحجيّة ، ولكن ليس الأمر كذلك ، بمعنى أنّ حجيّة الظواهر يكون عندهم على الإطلاق ، وبلغت في ارتكازهم بمثابة لا يحتملون تخطئة الشارع إيّاهم ، وكما لا يحتمل بعضهم في حقّ بعض آخر منهم أن يكون له طريقة اخرى في المحاورة ، لا يحتملون ذلك في حقّ الشارع ؛ فإنّهم يرونه كواحد منهم.