ولهذا لو قال هذا الكلام واحد من المولي الظاهريّة لعبده لا يأخذ ذلك من يده طريقة المحاورة ، والحاصل وإن كانوا يفهمون أنّ الظواهر ما ليس به علم ، لكن لا يمكن ردعهم عن العمل بمجرّد : لا تعمل بما ليس لك به علم ؛ فإنّهم يقطعون بأنّ المراد من هذا العام غير هذا الفرد من الظنون ، ويقطعون بتخصيصه في هذا الفرد.
والحاصل : هنا ثلاثة امور ارتكازيّة ، الاوّل : حجيّة ظواهر سائر الألفاظ غير هذه الآية وحجيّة ظاهر هذه الآية ، وأنّ العام القطعي التخصيص يعمل به في غير مورد القطع بتخصيصه ، وهذه الامور الثلاثة لها جمع في ارتكازهم ، فيبقون على ارتكازهم القطعي في سائر الألفاظ ويعملون بهذا الظاهر في غير الظواهر.
وإن قلت : فلو كان الأمر كما ذكرت من الحجيّة على وجه الإطلاق فالتنصيص أيضا لا يفيد بحالهم.
قلت : التنصيص القطعي بوجوده يؤثّر في رفع قطعهم ويقفون على خطابهم بسببه.
فإن قلت : لو سئل عنهم هل تقبل هذه الحجيّة منع الشارع بنحو التنصيص أولا؟ لأجابوا بنعم ، فكيف تكون الحجيّة عندهم تنجيزيّة؟
قلت : الشرطيّة لا يستلزم صدق طرفيها ، فيمكن أن يتفطّنوا عند التنبيه ، وأمّا عند عدم التنبيه فهذا الاحتمال مغفول عنه عندهم بالمرّة ، فليس في ذهنهم من هذه الجهة حكم لا إثباتا ولا نفيا ، والموجود هو القطع بالحجيّة بلا تقييد.
وهذا التقريب لعدم رادعيّة الآيات كما ترى جار بعينه في حجيّة خبر الثقة ولا يحتاج إلى تقريب الدور كما فعله في الكفاية ، هذا مع أنّ في خصوص مقامنا الذي هو الظواهر وحجيّة الآيات أيضا من باب الظواهر طريقا آخر لعدم الرادعية ، وهو أنّ الظواهر لو كانت حجّة فالآية مخصّصة ، وإن لم يكن حجّة فالآية أيضا منها ، فما وجه الاستدلال؟.
مضافا إلى إمكان دعوى التخصيص وإن لم يتلقّوها بالقبول ، وذلك أنّه بعد ما عرفت من أنّ العامّة قاطعون بالحجيّة قطعا تنجيزيّا واحتمال الردع مغفول عنه في أذهانهم ، فيكون الاتّكال والاعتماد في عملهم على القطع بالحقيقة دون الظّن.