لو سلّم شموله للحمل على الظاهر أيضا فلا محيص عن حمل هذه الأخبار على ما ذكر جمعا بينها وبين الأخبار الدالّة على جواز الرجوع إلى ظواهر القرآن.
فالعمدة هو الخبران الأخيران حيث إنّه توجّه الخطاب فيهما إلى أبي حنيفة وقتادة الذين كان شأنهما الفقاهة ، ومعناها هو الذي نحن بصدده من الأخذ بالظواهر ، لا الأخذ بالتوجيهات العرفانيّة ومموّهات المتصوّفة ، فإنّه ربّما يقال بأنّه يستفاد منهما أنّ كلّ من هو حاله حال أبي حنيفة وقتادة في عدم المعرفة بالقرآن حقّ معرفته وعدم معرفة الناسخ من المنسوخ يشترك معهما في هذا الحكم.
والمفروض أنّ الإمام عليهالسلام خصّ هذه المعرفة بالخاص من ذريّة نبيّنا ومن خوطب بالقرآن ، فجميع الناس غيرهم حالهم حال هذين الشخصين ، فيقال لكلّ مفت بالقرآن ومستخرج للحكم من ظواهره : هل تعرف القرآن حقّ معرفته والناسخ منه من منسوخه ، فإن قال : لا ، قلنا : فلم تفتون ، وإن قال : نعم ، قلنا في الجواب ما قاله الإمام في جواب أبي حنيفة وقتادة.
وبالجملة ، موضوع كلام الإمام ومورده كلّ من فقد المعرفة المذكورة وهو عامّة الناس ممّن سواهم ، فيدلّ على عدم جواز استخراج الأحكام من القرآن في حقّ من عداهم عليهمالسلام واختصاصه بهم عليهمالسلام.
فإن قيل : نختار الشقّ الثاني ولا يرد الجواب المذكور في حقّهما في حقّنا ، فإنّا نميز ذلك ونحصّل المعرفة بضميمة الأخبار المأثورة عن الأئمّة عليهمالسلام ، فنحن ندّعي المعرفة ببركة آثارهم وبياناتهم.
قلنا أوّلا : فهذا ليس عملا بالقرآن ، بل بالأخبار ، وثانيا : نفرض الكلام في آية لا توجد فيها هذه الضميمة ؛ فإنّ جميع الآيات لم يرد فيها من الأئمّة عليهمالسلام بيان ، ولو ورد فليس جميعه واصلا إلينا ، فبالنسبة إلى الآية الخالية عن هذه الضميمة يصير حالنا حالهما.
والجواب أنّ موضوع كلام الإمام عليهالسلام هو هذا الشخصان ومن يحذو حذوهما ، فإنّهما كانا يرجعان إلى القرآن والسنّة من دون رجوع إلى شيء آخر