بالجملة ، فالصغرى ممنوعة وإن كان الكبرى وهي حجيّة قول الخبرة مسلّمة بالوجدان ، بل عليه الفقهاء في مسألة التقويم ومسألة التقليد ، فرجوع الجاهل في كلّ صنعة إلى العالم بها ممّا لا ينكر وإن كان يظهر من شيخنا المرتضى قدسسره منع الكبرى أيضا.
لا يقال : إنّك تسلّمت خبروية اللغوي في تشخيص موارد الاستعمال ، وهذا المقدار يكفينا ؛ فإنّ الشكّ الحاصل في مرحلة وجود القرينة وعدمها يرفع بأصالة عدم القرينة ، فيثبت بذلك أنّ الانفهام من حاقّ اللفظ.
لأنّا نقول : لا يثبت بذلك حجيّة قول اللغوي مستقلا كما هو المدّعى ، نعم الكلام في الأصل المذكور وجريانه في هذا المقام أو لا؟ كلام آخر يأتي ، وعلى فرض الجريان لا ربط له بحجيّة قول اللغوي.
الوجه الثاني : مقدّمات انسداد باب العلم ، وبيانه أنّ الاستنباط لا شكّ في كونه واجبا على المجتهدين ، ولا شكّ في توقّفه على فهم الألفاظ الواقعة في الكتاب والسنّة ، ولا طريق له سوى الرجوع إلى كتب اللغة ، فلو لم يكن قول اللغوي حجّة يلزم تعطيل باب الاجتهاد ؛ لانسداد باب العلم بمعاني الألفاظ.
والجواب أنّ المقدّمات المذكورة بين ما يمكن منعه ، وبين ما لو سلّم صحّته فلا ينتج المدّعى ، وبيان ذلك أنّ الملازمة بين الانسداد وعدم الحجيّة ممنوعة ، فلنا أن نقول بعدم حجيّة قول اللغوي ، ومع ذلك لا يلزم كون باب العلم بمداليل الألفاظ مسدودا ، بل هو مفتوح ؛ فإنّ من المعلوم إمكان تحصيل القطع في عامّة الألفاظ بدون الرجوع إلى اللغة والاستفسار من أهلها ؛ فإنّ أحدا لا يشكّ في معنى «ضرب» وهكذا غيره إلّا ما شذّ وندر ، ولا يلزم من إجراء الأصل في هذا الشاذ النادر محذور.
وأمّا مدرك هذا القطع فلا نحتاج إلى تشخيصه ، ولا يضرّ كونه اتّفاق أهل اللغة ؛ إذ لا منافاة بين عدم حجيّة الظنّ الحاصل من قول واحد واحد منهم ، وبين حصول القطع من اجتماع الظنون الغير المعتبرة. وبالجملة ، لا نحتاج في تشخيص معاني الألفاظ إلى الاستفسار من أهل اللغة في عامّة الألفاظ.