فإنّه لو كان الزيد المحرّم الإكرام عالما يلزم أن يكون المراد الجدّي في أكرم العلماء بعض العلماء، وإن كان جاهلا يلزم أن يكون المراد الجدّي فيه تمامهم ، فلا يعلم أنّه أراد بقوله : أكرم العلماء تمام العلماء أم بعضهم ، ونشأ هذا من الشكّ في علم زيد وجهله مع العلم بحرمة إكرامه ، فيصحّ إجراء الأصل لإثبات مراديّة التمام دون البعض ، فيتشخّص بسببه الحال في زيد ، فيستكشف عدم علمه وكونه جاهلا ، فيكون حال هذا العام حال العام العلمي أو العقلي.
فكما لو علم بمضمون «كلّ عالم يجب إكرامه» وعلم أنّ زيدا لا يجب إكرامه ، علم بعكس النقيض أنّه ليس بعالم ، وكذا إذا حكم العقل بأنّ كلّ إنسان حيوان ناطق ، فعلم بأنّ الجسم الخاص ليس بحيوان ناطق ، علم بعكس النقيض أنّه ليس بإنسان ، فكذا الحال في العامّ الغير العلمي والعقلي بضميمة الأصل المذكور ، ويظهر الثمرة في ما إذا كان حكم مرتّبا على عنوان الجهال فيحكم بترتّب هذا الحكم على زيد ، فإنّ المثبت من هذه الاصول أيضا حجّة.
وبالجملة ، فالشكّ في هذا المقام راجع إلى الشكّ في المراد ، وهذا بخلاف ما إذا علم أنّ المراد من لفظ الأسد مثلا الرجل الشجاع ، ولكن لم يعلم أنّه موضوع لما يعمّ الرجل الشجاع ، أو لمعنى يكون الرجل الشجاع معنى مجازيّا بالنسبة إليه ، فإنّ الشكّ لا يرجع إلى مراد المتكلّم أصلا.
والحاصل أنّ محلّ إجراء الأصل اللفظي ما كان وظيفة المتكلّم تعيينه لو كان حاضرا وسئل عنه ، ففي مقام علمنا بإرادته من الأسد ، الحيوان المفترس قد فرغ من وظيفته من بيان المراد اللفظي والجدّي.
وأمّا فهم أنّ هذا المعنى معنى حقيقيّا فاللائق بهذا السؤال هو من كان خبرة من اللغوييّن في هذا المقام بخلاف الحال في العام ، فإنّه وإن لم يكن للمكلّف تحيّر في مقام العمل لعلمه بحرمة إكرام زيد ، لكن له حقّ فهم مراد المتكلّم لينتفع به في مقام آخر ، وهذا من شأنه بيانه بحيث لو كان حاضرا وسئل عنه لكان سؤالا راجعا بحيث متكلميّته ؛ لأنّه سؤال عن إرادته الجدّية وأنّها متعلّقة بتمام أفراد العالم أو ببعضها بعد