ما فرغ اللغوي الخبرة عن بيان ما هو وظيفته بعكس اللفظ المشكوك كون مورد استعماله حقيقيّا أو مجازيّا ، فإنّه قد فرغ من إرادة المتكلّم بحسب اللفظ وبحسب الجدّ وبقي ما هو وظيفة اللغوي الخبرة.
وبعبارة اخرى هنا مرحلتان ، الاولى : أنّ المعنى بعد انفهامه من اللفظ وكونه تحت الإرادتين يبحث عن كيفيّة انفهامه وأنّه كان بالوضع أو بمعونة القرينة ، والثانية : أنّ المعنى المنفهم بأيّ كيفيّة كان من الوضع أو القرينة هل وقع تحت الإرادة اللفظيّة أو الجدّيّة ، ولو فرض أنّ المراد بحسب نفس الأمر كان معلوما ، ولكن فرق بين المراد الجدّي بحسب نفس الأمر والمراد الجدّي في مفهوم اللفظ.
فإن قلت : على ما ذكرت يلزم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة في ما إذا كان بينه وبين المخصّص عموم من وجه ، مثل قوله : أكرم العلماء ، وقوله : لا تكرم الفسّاق ، فإنّه إذا شكّ في كون زيد العالم مثلا فاسقا : الشكّ في المراد الجدّي من أكرم العلماء بالتقريب المتقدّم وأصالة عدم التخصيص ينفي احتمال التخصيص ، وحيث إنّ هذا الأصل في اللوازم أيضا حجّة نأخذ بلازمه وهو عدم كون الزيد فاسقا ولا حاجة إلى قيد احتمال استقصاء حال الأفراد من المتكلّم كما قيّدته سابقا ؛ إذ صورتا وجوده وعدمه متساويتان في الملاك الذي ذكرته هنا.
قلت : نعم كلّ ما ذكرنا في هذه المسألة أعني مسألة دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص لترجيح الثاني على الأوّل جار بعينه في تلك المسألة ، ولكن قيد احتمال الاستقصاء محتاج إليه في كلتا المسألتين ، فلو قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : أهن زيدا وشككنا في كونه عالما أو جاهلا وعلمنا بكون المتكلّم أيضا مثلنا في عدم العلم بحاله فإنّه لا شبهة في عدم جريان الأصل من رأس ، لا أنّه جار ولا يثبت اللازم ، فإنّ الأصل المذكور يكون جاريا في مقام صحّ السؤال عن المتكلّم لو كان حاضرا ، ففي مورد احتمال الفحص والاستقصاء يجري الأصل ويصحّ السؤال ، ومع عدمه العدم من غير فرق بين المسألتين ، ومن هنا يعرف أنّ الشبهة المراديّة بالطريق الذي ذكرنا ليست موردا للأصل على وجه الكليّة.