حكم جديد ثانيا كان مبدؤه ما بعد هذا الزمان.
مثلا تارة يقول : أكرم العلماء في كلّ زمان ، وحينئذ لو قام إجماع على عدم وجوب إكرام زيد العالم يوم الجمعة وشككنا أنّه يوم السبت واجب الإكرام أولا؟ لا شكّ أنّ الدليل الأوّل اقتضى وجوب إكرامه في كلّ يوم ، والقدر الخارج يوم الجمعة ، فيوم السبت باق تحت العموم.
واخرى يقول : أكرم العلماء ، من دون تقييد بالزمان ، فلا شكّ أنّه لو لم يرد مخرج فهو بالنسبة إلى زيد وعمرو وبكر وسائر الأفراد مستمرّ ما دام حياتهم ، ولكن إذا قطع استمرار هذا الحكم في زيد في يوم الجمعة فلا دليل يدّل على وجوب إكرامه يوم السبت ، ووجوب الإكرام الأوّلي قد فرض انقطاعه ليوم الجمعة.
والحاصل أنّ الرجوع إلى العام يحتاج إلى إثبات دلالتين له :
الاولى : إثبات الحكم من الأوّل إلى ما قبل زمان المخصّص.
والثانية : إثباته من ما بعد هذا الزمان إلى آخر أزمنة الموضوع ، ومن المعلوم عدم إمكان إثبات الدلالة الثانية ، نعم يمكن تقييد الدليل بالنسبة إلى الدلالة الواحدة من حيث الأوّل ، فيكون منقطع الأوّل ، أو من حيث الآخر ليصير منقطع الآخر.
مثلا يمكن جعل مبدإ وجوب الوفاء في العقد الذي فيه خيار من ابتدائه أوّل انقضاء هذا الخيار ، أو في العقد الذي فيه خيار من آخره بجعل مقطع وجوب الوفاء ومنتهاه في أوّل حدوث هذا الخيار ، فيلزم في الصورتين تقييد البيع بكونه من الزمان الفلاني ، أو إلى الزمان الفلاني.
وأمّا إذا انقطع الوجوب من الوسط فلا يمكن إثبات الوجوب في ما بعد الوسط إلّا بدلالتين ، إحداهما على الحكم من الأوّل إلى الوسط ، والآخر من ما بعده إلى الآخر ، وليس للدليل الدلالة الثانية وهو في هذا نظير الاستصحاب ؛ فإنّه ما لم ينقطع استمرار الحكم الموجود في زمان يستصحب في ما بعده ، ولو حدث القاطع له في الأثناء انقطع الاستصحاب.
إذا تقرّر ذلك فنقول : إن كان لفظة «أنّى» مفيدة للزمان على وجه الاستيعاب